في أي سن يجب أن تبدأ الفتاة بالصيام؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد. الصيام ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام الخمسة التي فرضها الله عز وجل على عباده، وهو عبادةٌ تربط المسلم بربه، وتُعلِّمه الصبر، وتُهذِّب النفس. وقد جاء في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ما يُبيّن فضل الصيام وحُكمه.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
وفي الحديث الشريف، قال رسول الله ﷺ: “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2014 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (2014)، ومسلم (760).
لكن السؤال الذي يشغل الكثير من الآباء والأمهات هو: “في أي سن يجب أن تبدأ الفتاة بالصيام؟“. الإجابة على هذا السؤال تتطلب معرفة الحُكم الشرعي ومراعاة حالة الفتاة وظروفها. في هذا المقال، سنتحدث بالتفصيل عن السن الشرعي الذي يبدأ عنده الصيام، مع الاستشهاد بآيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين، وكلام العلماء من أهل السنة والجماعة.
مكانة الصيام في الإسلام
الصيام كعبادة عظيمة
الصيام عبادةٌ تجمع بين الإخلاص لله والتقوى. قال الله عز وجل في الحديث القدسي: “قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1904 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج: أخرجه مسلم (١١٥١) باختلاف يسير.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على غرس عبادة الصيام في أبنائهم منذ الصغر. قالت الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: “أَرْسَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ، الَّتي حَوْلَ المَدِينَةِ: مَن كانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَن كانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ. فَكُنَّا، بَعْدَ ذلكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إلى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ” الراوي : الربيع بنت معوذ بن عفراء | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1136 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136).
أهمية تعويد الأطفال على الصيام
من السنة أن يتم تدريب الأطفال على الصيام قبل بلوغهم السن الشرعي، كي يتعودوا عليه تدريجيًا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: “لا يزال الرجل يضعف عن الأمر حتى يصوم النفل في قوته، فإذا أوجب الله عليه كان عليه أهون” (تفسير الطبري).
متى يجب على الفتاة الصيام وفي أي سن يجب أن تبدأ الفتاة بالصيام وفقًا للشريعة الإسلامية؟
السن الشرعي لوجوب الصيام
الصيام فريضة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل قادر، ويُصبح واجبًا على الفتاة عند بلوغها. وقد اتفق العلماء على أن البلوغ هو الشرط الأساسي لوجوب الصيام على الفتاة. قال الإمام الشافعي رحمه الله: “إذا بلغت الجارية، وجب عليها الصيام والصلاة، وبلوغها يكون بالحيض أو الاحتلام أو بلوغ السن المعروف” (المجموع).
ودليل ذلك حديث النبي ﷺ: “رُفِع القلمُ عنْ ثلاثةٍ عنِ الصغيرِ حتى يبلُغَ وعَنِ النائمِ حتى يستيقظَ وعنِ المصابِ حتى يُكشفَ عنهُ” الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم : 2/188 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (4403)، والترمذي (1423) باختلاف يسير، وأخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم قبل حديث (5269) بنحوه.
أي أن الفتاة لا تُحاسب على الصيام قبل البلوغ، لكن بمجرد ظهور علامات البلوغ، تُصبح مكلفة شرعًا. وقد أشار العلماء إلى أن تعليم الفتيات قبل بلوغهن على الصيام أمرٌ مستحب، لكنه لا يُصبح واجبًا إلا عند تحقق البلوغ.
علامات البلوغ الشرعية
البلوغ هو المرحلة التي تبدأ فيها الفتاة بالانتقال من الطفولة إلى التكليف الشرعي. ومن العلامات التي تدل على بلوغ الفتاة، وبالتالي وجوب الصيام:
- نزول الحيض: نزول دم الحيض هو أقوى علامة على بلوغ الفتاة. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: “إذا رأت الجارية الحيض، فهي بالغة، ووجب عليها ما وجب على المكلفين” (المغني).
- ظهور علامات البلوغ الجسدية: نمو الثديين وظهور الشعر في بعض المناطق من الجسد (كالإبط والعانة) يُعد من العلامات التي أشار إليها العلماء.
- بلوغ سن الخامسة عشرة: إذا لم تظهر علامات البلوغ السابقة، فإن بلوغ الفتاة سن الخامسة عشرة يُعد حدًا فاصلًا للبلوغ الشرعي. ودليل ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “عُرِضتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أربَعَ عَشْرةَ، فلم يُجِزْني، ولم يَرَني بَلَغتُ، ثُمَّ عُرِضتُ عليه يَومَ الخَندَقِ وأنا ابنُ خَمسَ عَشْرةَ فأجازَني” الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن الدارقطني | الصفحة أو الرقم : 4202 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (2664)، ومسلم (1868) باختلاف يسير.
أهمية البلوغ كشرط للتكليف
البلوغ هو علامة على تحمل المسؤولية الشرعية، وهو أمر قررته الشريعة الإسلامية بوضوح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “البلوغ في الشريعة هو الحد الذي يصبح فيه العبد مكلفًا بما أمر الله به ونهى عنه، ومحاسبًا على ترك الفرائض أو ارتكاب المحظورات” (مجموع الفتاوى).
الحث على تعويد الفتاة على الصيام قبل البلوغ
رغم أن الصيام لا يُصبح واجبًا على الفتاة إلا عند بلوغها، فإن تدريبها على الصيام قبل البلوغ أمرٌ مستحب ومفيد. فقد ورد عن الصحابة أنهم كانوا يُعودون أطفالهم على الصيام تدريجيًا. عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: “أَرْسَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ، الَّتي حَوْلَ المَدِينَةِ: مَن كانَ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَن كانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ. فَكُنَّا، بَعْدَ ذلكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إلى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ” الراوي : الربيع بنت معوذ بن عفراء | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1136 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136).
ما يجب على الفتاة معرفته عند بلوغها
عند بلوغ الفتاة، يجب عليها أن تكون على دراية بما يلي:
- أهمية النية: الصيام عبادة تتطلب النية، لقوله ﷺ: “الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ” الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 54 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (1907) باختلاف يسير.
- قضاء الصيام عند وجود عذر شرعي: إذا أفطرت بسبب الحيض أو المرض، فإنها تُلزم بقضاء تلك الأيام بعد رمضان.
- التفريق بين صيام الفرض والنفل: يجب أن تعرف أن صيام رمضان واجب، بينما صيام التطوع (كالإثنين والخميس أو الأيام البيض) مستحب.
توضيح دور الوالدين في التعليم
- شرح علامات البلوغ: على الوالدين تعليم الفتاة كيفية التعرف على علامات البلوغ الشرعية وأهمية الصيام عند تحققها.
- غرس حب العبادة: يجب أن يتم تحبيب الصيام للفتاة من خلال الحديث عن أجره وفضله، مثل حديث النبي ﷺ: “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2014 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (2014)، ومسلم (760).
وجوب الصيام على الفتاة مرتبط بتحقق البلوغ، وهو ما حدده الشرع بعلامات واضحة، كظهور الحيض، أو بلوغ سن الخامسة عشرة. تدريب الفتاة على الصيام قبل البلوغ يُساعدها على الالتزام بهذه العبادة عند وجوبها. وللوالدين دور كبير في تعريف الفتاة بأحكام الصيام وأهمية الاستعداد له نفسيًا وبدنيًا، مما يُعزز قدرتها على الامتثال للفرائض الشرعية بسهولة ويسر.
فوائد الصيام للفتيات الصغيرات
1. الفوائد الروحية والتربوية للصيام
الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو عبادة تُربي النفس وتُهذبها. قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، مما يدل على أن الغاية من الصيام هي تحقيق التقوى.
من الفوائد الروحية والتربوية للصيام:
- تعزيز الصبر والتحمل: الصيام يُعلِّم الفتاة الصبر والتحمل، وهما من الصفات المهمة في حياة المسلم.
- زيادة القرب من الله: بالصيام والعبادات، تشعر الفتاة بالرضا الروحي والقرب من الله.
- تعويد النفس على الطاعة: الصيام يُربي النفس على طاعة الله والالتزام بأوامره.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “الصيام مدرسةٌ في الصبر والتقوى، وبه يُدرَّب العبد على الطاعة والعبادة” (المسند).
2. الفوائد الصحية للصيام
الصيام له فوائد صحية كثيرة، خاصة إذا تم بشكلٍ معتدل ومدروس:
- تحسين العادات الغذائية: يساهم الصيام في تنظيم مواعيد تناول الطعام، ويُقلل من الإفراط في الأكل.
- تنشيط الجسم: الصيام يُساعد على تطهير الجسم من السموم.
- زيادة التركيز: الامتناع عن الطعام لفترة يُحسن من قدرة الجسم على التركيز والتفكير.
نصائح لتشجيع الفتاة على الصيام
1. كيفية تدريب الفتاة على الصيام تدريجيًا
تدريب الفتاة الصغيرة على الصيام يحتاج إلى حكمة ورفق، لأن الهدف ليس مجرد الصيام ذاته، بل غرس حب العبادة والطاعة في نفسها. وهنا بعض الطرق العملية لتدريب الفتاة:
- البدء بصيام نصف اليوم أو ساعات محددة: يمكن البدء بجعل الفتاة تصوم من وقت السحور حتى الظهر، ثم تمديد المدة تدريجيًا. هذه الطريقة تساعدها على التأقلم مع الصيام دون مشقة كبيرة.
- تشجيعها على صيام يومي الإثنين والخميس: صيام الأيام المستحبة كتدريب قبل رمضان يُعتبر خطوة عملية. قال رسول الله ﷺ: “تُعرضُ الأعمالُ يومَ الإثنين والخميسِ فأُحِبُّ أن يُعرضَ عملي وأنا صائمٌ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 2/138 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] | التخريج : أخرجه الترمذي (747) واللفظ له، وابن ماجه (1740)، وأحمد (8343) بنحوه.
- جعل الصيام تجربة ممتعة: إظهار الفرح بقدوم رمضان، مثل تزيين المنزل والاستعداد للسحور والفطور مع الأسرة، يُساعد على تحفيز الفتاة. “أتاكم شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مبارَكٌ ، فرض اللهُ عليكم صيامَه ، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ ، و تُغلَق فيه أبوابُ الجحيم ، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 55 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه النسائي (4/129).
- التحدث عن الأجر والثواب: ربط الصيام بالجنة والأجر العظيم يُحفز الفتاة. قال النبي ﷺ: “إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ” الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1896 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (1152) باختلاف يسير.
- تعليمها بالصبر التدريجي: قال ابن القيم رحمه الله: “تعويد الأطفال على العبادة يُغرس فيهم حب الطاعة ويُعينهم على الالتزام في الكِبر” (زاد المعاد).
2. التعامل مع صعوبات الصيام
- تقديم الدعم النفسي والمعنوي: يجب على الوالدين تقديم كلمات التشجيع للفتاة عند شعورها بالتعب أو الجوع، مثل: “الله يحبك لأنك تطيعيه”، أو “سيكتب لك أجر عظيم”.
- مراقبة الحالة الصحية: التأكد من قدرة الفتاة على الصيام أمر ضروري. عن أنسِ بنِ مالِكٍ قالَ : “أغارت علينا خيلٌ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فانتَهيتُ أو قالَ فانطلقتُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وَهوَ يأْكلُ فقالَ اجلِس فأصِب من طعامِنا هذا فقلتُ إنِّي صائمٌ قالَ اجلِس أحدِّثْكَ عنِ الصَّلاةِ وعنِ الصِّيامِ إنَّ اللَّهَ تعالى وضعَ شطرَ الصَّلاةِ أو نصفَ الصَّلاةِ والصَّومَ عنِ المسافرِ وعنِ المرضعِ أوِ الحُبلى واللَّهِ لقد قالَهما جميعًا أو أحدَهما قالَ فتلَهَّفتُ نفسي أن لا أَكونَ أَكلتُ من طعامِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ.” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 2408 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح.
- السماح بالإفطار عند الضرورة: إذا شعرت الفتاة بالإرهاق الشديد أو المرض، يُسمح لها بالإفطار. قال النبي ﷺ: “إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه ، كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائمُه” الراوي : عبدالله بن عباس| المحدث : الألباني| المصدر : صحيح الترغيب الصفحة أو الرقم: 1060| خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه البزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (990)، وابن حبان (354)، والطبراني (11/323) (11880). كما أن تعويد الفتاة على فهم الرخص الشرعية يُساعدها على التوازن بين العبادة وصحتها.
- تقسيم الوقت والأنشطة: يمكن تشجيع الفتاة على شغل وقتها بأنشطة مفيدة، مثل قراءة قصص الصحابة الذين كانوا يصومون أو ممارسة الحرف اليدوية، لتخفيف التفكير في الجوع والعطش.
3. تقديم المكافآت والدعم المعنوي
- مكافآت رمزية: تقديم هدية بسيطة عند إتمام يوم الصيام يُشجع الفتاة ويُشعرها بالإنجاز. يمكن أن تكون المكافأة شيئًا تحبه، مثل كتاب أو لعبة مفيدة.
- المدح والتشجيع: مدح الفتاة أمام الأسرة، مثل قول: “ابنتنا صامت يومًا كاملًا، بارك الله فيها”، يزيد من حماسها للاستمرار. حرص النبي ﷺ على غرس القيم الإيمانية في قلوب الشباب والصغار بأسلوب مشجع ولطيف، ليعلمهم التوكل على الله والاعتماد عليه في كل شؤون حياتهم. ومن ذلك توجيهه الكريم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال له: “يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 2516 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (2516) واللفظ له، وأحمد (2669). وهذه الكلمات النبوية العظيمة تصلح لأن تكون قاعدة تُربي عليها الفتيات والشباب ليكبروا وهم متمسكون بتعاليم دينهم وواثقون بربهم، مما يعينهم على الالتزام بالطاعات وتحقيق رضا الله سبحانه وتعالى.”
- خلق جو من الفرح عند الإفطار: جعل لحظة الإفطار وقتًا ممتعًا ومليئًا بالسرور، مثل تقديم الطعام المفضل للفتاة أو إشراكها في تحضير المائدة. قال رسول الله ﷺ: “لِلصَّائمِ فَرحتانِ: فَرحةٌ عِندَ فِطرِهِ، وفَرحةٌ يَومَ القيامةِ، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عِندَ اللهِ مِن ريحِ المِسكِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 10505 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151) مطولاً باختلاف يسير.
4. إشراكها في الأنشطة الرمضانية
- تعليمها الأذكار والأدعية المرتبطة بالصيام.
- إشراكها في توزيع وجبات الإفطار للصائمين، مما يعزز شعورها بفضل هذه العبادة.
- قراءة قصص عن الصحابة والتابعين الذين كانوا يصومون ويجتهدون في العبادة منذ صغرهم.
أثر التشجيع على الفتاة
تشجيع الفتاة على الصيام بطريقة لطيفة ومليئة بالدعم يُغرس فيها حب العبادة منذ الصغر، ويجعلها تربط الصيام بمعاني الفرح والقرب من الله، مما ينعكس على التزامها به في المستقبل. هذه الأساليب تجمع بين الترغيب والتربية الصحيحة، مع مراعاة ظروف الفتاة الصحية والنفسية، والالتزام بالرفق الذي أمر به النبي ﷺ: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه” (رواه مسلم).
الأسئلة الشائعة حول صيام الفتيات
الخاتمة
الصيام عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام التي تعزز التقوى، وتُهذب النفس، وتُربي المسلم على الصبر والطاعة. وللفتاة مكانة خاصة في هذه العبادة، حيث تُعد مرحلة الطفولة والصغر فرصة ذهبية لتعويدها على الصيام تدريجيًا وتعريفها بفضل هذه العبادة العظيمة. متى ما بلغت الفتاة، صار الصيام واجبًا عليها وفقًا لما قررته الشريعة الإسلامية استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح.
التدرج في الصيام يُساعد الفتاة على تحمل هذه العبادة دون مشقة، ويُرسخ حبها للطاعة والالتزام بالدين. ولقد أظهرت التجارب أن التدريب المبكر يُسهم في جعل الصيام عادة سهلة ومحببة عند البلوغ. دور الوالدين هنا أساسي في تشجيع الفتاة، ودعمها نفسيًا ومعنويًا، وتوضيح الأحكام الشرعية المرتبطة بالصيام، مثل أهمية النية، وجواز الإفطار في حالات المرض أو الحيض، وأهمية قضاء ما فات من الأيام المفروضة.
إضافةً إلى ذلك، ينبغي على الوالدين أن يُركزوا على زرع القيم الإسلامية في قلوب بناتهم، وربط الصيام بأهدافه الروحية، مثل التقرب إلى الله، والشعور بالفقراء، وتنمية الإرادة. كل ذلك يُساهم في بناء شخصية إسلامية متكاملة وقادرة على الالتزام بدينها بفهم وحب.
وأخيرًا، لا شك أن الصيام تجربة إيمانية شاملة تُعزز الإيمان وتُهذب الأخلاق، وينبغي على الأسر أن تُشجع الفتيات على هذه العبادة برفق ولين، مع مراعاة أحوالهن الصحية والنفسية. فالصيام ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتحقيق التقوى والقرب من الله، وهو هدية عظيمة من الله لعباده ليُزكي نفوسهم ويغفر لهم ذنوبهم. نسأل الله أن يُعيننا على حسن تربية بناتنا على طاعته، وأن يجعل الصيام عبادة محببة وسهلة لهن، ويجزيهن خير الجزاء على التزامهن به. ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
والله أعلم.