أهمية شهر رمضان وفضل الدعاء فيه
إن الدعاء هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية تأكيد على فضله وأهميته في حياة المسلم. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” (سورة غافر: 60)، وهي دعوة مفتوحة للمؤمنين للتوجه إلى الله بالدعاء والاستعانة به في شؤون حياتهم. وقد روى الصحابي النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي ﷺ قوله: “الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ثمَّ قالَ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” الراوي : النعمان بن بشير | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3247 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه أبو داود (1479 )، والترمذي (2969 )، وابن ماجة (3828 ).
فالدعاء يعكس حاجة الإنسان وتذلله بين يدي ربه، ويعبر عن افتقاره لله واستمداده العون والتوفيق منه، ومنه تأتي راحة القلوب وطمأنينتها، كما قال تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (سورة الرعد: 28).
أما في شهر رمضان المبارك، فإن للدعاء مكانة خاصة، فقد قال سفيان الثوري رحمه الله: “إن الدعاء في رمضان هو زينة الصائم، ولا يليق بالصائم أن يكون غافلًا عن الذكر والدعاء في هذا الشهر العظيم“. فشهر رمضان ليس فقط شهر الصيام، بل هو فرصة عظيمة للمسلم ليناجي ربه ويتقرب إليه. قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “شهر رمضان هو شهر الصبر، وشهر الصبر هو شهر الدعاء” (ابن رجب، لطائف المعارف).
ومن الأمور التي ينبغي على المسلم مراعاتها في رمضان أن يستغل أوقات الإجابة، خاصة وقت الإفطار، الذي ورد في السنة النبوية أنه من الأوقات المستجابة للدعاء. فقد قال النبي ﷺ: “ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم : الصائمُ حتى يُفطرَ، والإمامُ العادلُ، والمظلومُ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن الملقن | المصدر : البدر المنير الصفحة أو الرقم : 5/152 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه الترمذي (3598)، وابن ماجه (1752) باختلاف يسير، وأحمد (8030) مطولاً.
لذلك، فإن الدعاء في رمضان، وخصوصًا قبل الإفطار، يُعد من الأعمال المباركة التي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها. فهذا الوقت يجمع بين فضيلتي الصيام والدعاء، ويتيح للمسلم أن يُظهر تذلله وتضرعه لله في وقت مبارك، على أمل أن يتقبل الله دعاءه ويجيب طلباته.
أهمية شهر رمضان وفضل الدعاء فيه
شهر رمضان هو من أعظم الشهور التي خصّها الله تعالى بفضلٍ كبيرٍ ومكانةٍ عاليةٍ، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قال: “إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3277 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (3277)، ومسلم (1079).
وفي هذا الشهر الفضيل، يجد المسلم فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، وتجديد الإيمان، والاستزادة من الطاعات.
فضل الدعاء في شهر رمضان
من أعظم الأعمال التي تتجلى في رمضان هي عبادة الدعاء، إذ إن الدعاء هو السبيل الذي يصل العبد بربه، وهو الباب المفتوح الذي لا يُغلق أبدًا، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم مشجعًا عباده على الدعاء: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ“ (سورة البقرة: 186)، ويأتي هذا الوعد الإلهي في سياق آيات الصيام في القرآن، مما يربط بشكل مباشر بين عبادة الصيام وعبادة الدعاء في رمضان.
وقد أشار بعض السلف إلى هذه العلاقة، حيث قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: “إن الله تعالى يذكر الصيام ثم يتبعه بآيات الدعاء، وفيه إشارة إلى أن رمضان هو زمن الاستجابة والدعاء”. هذا الربط بين الصيام والدعاء يعكس بوضوح أن الله قد جعل الدعاء في رمضان وسيلة للتقرب إليه في أوقات الصيام، وخاصة عند الإفطار.
الدعاء قبل الإفطار
لقد أشار النبي ﷺ إلى أهمية الدعاء للصائم، وخص وقت الإفطار كأحد الأوقات المستجابة، فقال: “ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ وتُفتَّحُ لها أبوابُ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعد حينٍ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 2/121 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] | التخريج : أخرجه الترمذي (3598) واللفظ له، وابن ماجه (1752)، وأحمد (8030).
هذا الحديث يدل على أن الله يفتح باب الإجابة للصائم، مما يجعل الدعاء قبل الإفطار من أهم الأوقات التي يجب استغلالها، إذ يجتمع فيها تضرع الصائم وحاجته وحرصه على القرب من الله.
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: “إني أرى للدعاء في شهر رمضان، وخاصة قبل الإفطار، مكانة عظيمة، فهو وقت إخلاص وتوبة واستكانة لله تعالى”، وأكد العلماء أن هذا الوقت يتيح للصائم التوجه إلى الله بكل إخلاص، متحررًا من شوائب الدنيا وحاجاتها.
الدعاء في جميع أوقات رمضان
إضافةً إلى الدعاء قبل الإفطار، فإن شهر رمضان برمته يُعد موسمًا للدعاء والابتهال، فقد ورد عن الحسن البصري رحمه الله أنه كان يقول: “الدعاء هو العبادة في رمضان، ولا خير في من لا يُكثر الدعاء في هذا الشهر الكريم”. وشجع العلماء المسلم على استغلال أوقات السحر ووقت الفجر وما بين الصلوات للدعاء، ليكون الدعاء مستمرًا ومتجددًا، فيكسب المسلم قربًا من الله ويستزيد من رحمته ومغفرته.
فضل الدعاء قبل الإفطار في شهر رمضان
يُعد الدعاء قبل الإفطار في شهر رمضان من أوقات الاستجابة المباركة التي يحرص عليها المسلمون في هذا الشهر الفضيل. وقد بيّن النبي ﷺ فضل هذا الوقت، فقد قال ﷺ: “ثلاثة لا تُردّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم” (رواه الترمذي)، مما يدل على أن دعاء الصائم في تلك اللحظة له مكانة خاصة عند الله سبحانه وتعالى. وقد قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره: “أن الله تعالى يحب من عبده أن يلجأ إليه بالدعاء، وخاصة في تلك الأوقات التي يكون فيها العبد متذللاً لله، كحال الصيام عند الإفطار” (تفسير السعدي).
الأثر الروحي للدعاء قبل الإفطار
إن الدعاء قبل الإفطار يمثل لحظة خاصة من التواصل بين العبد وربه، حيث يكون الصائم في حالة من التواضع والانكسار، متحليًا بالصبر على الجوع والعطش طيلة اليوم، مما يجعله في حالة قلبية وروحية مستعدة للتوجه إلى الله بالدعاء. وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتابه “زاد المعاد”: “إنّ من أعظم ما يُحسن العبد فعله عند الإفطار هو الدعاء، فهو وقتٌ يكون فيه العبد في أشد حالاته حاجةً لله، بعد طول صيامٍ وانقطاعٍ عن الشهوات، فيتوجه إلى ربه متذللاً طالبًا منه المغفرة والعون”.
ولذلك، فإن الدعاء قبل الإفطار يُعد من الأمور التي تؤثر إيجابيًا على نفسية المؤمن، حيث يشعر الصائم بالطمأنينة والسكينة وهو يناجي ربه ويتضرع إليه، ويستشعر أن الله قريب منه يسمع دعاءه ويستجيب له.
أحاديث تؤكد على أهمية الدعاء قبل الإفطار
لقد وردت عدة أحاديث عن النبي ﷺ تؤكد على أهمية الدعاء للصائم، ومنها ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان إذا أفطر قال: “رأيتُ ابنَ عمرَ يقبِضُ علَى لحيتِهِ فيقطعُ ما زادَ علَى الكَفِّ وقالَ كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أفطرَ قالَ ذَهَبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العُروقُ وثبَتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ” الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 2357 | خلاصة حكم المحدث : حسن التخريج : أخرجه أبو داود (11) واللفظ له، وابن خزيمة (60)، والدارقطني (1/58).
فهذا الدعاء المبارك كان النبي ﷺ يكرره عند الإفطار، وهو دعاء يعبّر عن شكر العبد لله بعد أن أتم طاعته في الصيام، ويدل على أهمية استحضار نية الشكر والامتنان عند الإفطار.
نصائح لاستغلال وقت الدعاء قبل الإفطار
وقد نصح العلماء المسلم بأن يجعلوا لحظة الإفطار وقتًا للدعاء والتضرع، وتجنب الحديث بأمور الدنيا، فهذا الوقت مقدس ويستحق أن يخصص للعبادة والدعاء. وقد قال النووي رحمه الله: “ينبغي للصائم أن يدعو عند الإفطار بما يحب لنفسه ولأهله وللمسلمين، ويكون دعاؤه مقرونًا بالتقوى والإخلاص، فهي لحظة يتجلى فيها لطف الله ورحمته”.
ويُنصح الصائم بأن يُحضّر قائمة بالأدعية التي يريد أن يدعو بها، ويكون على وعي بما يطلبه من الله، ويحرص على أن يكون دعاؤه شاملًا لأمور الدنيا والآخرة، حتى ينال خير الدنيا والآخرة.
الأدعية النبوية المأثورة قبل الإفطار
يُعتبر الدعاء قبل الإفطار من السنن النبوية التي حرص عليها رسول الله ﷺ، وقد وردت عدة صيغ من الأدعية التي كان يقولها النبي ﷺ عند إفطاره. ويتجلى في هذه الأدعية روح الامتنان لله سبحانه وتعالى، والتذلل له، وشكر الله على النعم، فضلاً عن طلب المغفرة والقرب من الله. في هذا القسم، سنستعرض أهم الأدعية التي وردت عن النبي ﷺ، مع الأدلة والأحاديث الصحيحة التي توثق هذه الأدعية.
الدعاء الأول: “ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله”
روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان إذا أفطر قال: “رأيتُ ابنَ عمرَ يقبِضُ علَى لحيتِهِ فيقطعُ ما زادَ علَى الكَفِّ وقالَ كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أفطرَ قالَ ذَهَبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العُروقُ وثبَتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ” الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 2357 | خلاصة حكم المحدث : حسن التخريج : أخرجه أبو داود (11) واللفظ له، وابن خزيمة (60)، والدارقطني (1/58).
هذا الدعاء يعبّر عن شكر العبد لله بعد إتمام صيامه، ويمثل امتنانًا لله تعالى على إتمام فريضة الصيام. وقد علق العلماء على هذا الدعاء بالقول إنه يرمز إلى الاستراحة الجسدية والنفسية التي يشعر بها الصائم بعد يوم من الصبر، وأنه دعاء يتضمن الرجاء بأن يُثَبِّت الله الأجر ويقبله.
قال النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الدعاء: “الدعاء عند الإفطار هو توقير وإظهار للشكر لله، فالظمأ يذهب والراحة تأتي بفضل الله، وهو دعاء يبرز التفكر في قدرة الله ورحمته بعباده”.
الدعاء الثاني: “اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي”
ورد هذا الدعاء عن بعض الصحابة، حيث كانوا يقولونه عند الإفطار، ويعكس طلب المغفرة والرحمة من الله، وخاصة في شهر رمضان، وهو شهر تتنزل فيه الرحمة. وقد استند بعض العلماء إلى هذا الدعاء من باب الاستئناس، لطلب الرحمة من الله سبحانه، خاصة وأن شهر رمضان هو موسم التوبة والمغفرة. قال ابن تيمية رحمه الله: “الدعاء بالمغفرة في رمضان هو سمة المؤمنين، وهو مطلب كل عبد يرجو رضا الله” (مجموع الفتاوى لابن تيمية).
“إنَّ للصائمِ عند فطرِهِ دعوةٌ ما تُرَدُّ وكان ابنُ عمرو إذا أفطرَ يقولُ اللهمَّ إني أسألكَ برحمتكَ التي وَسِعَتْ كلَّ شيٍء أن تغفرَ لي ذنوبي” الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : ابن الملقن | المصدر : تحفة المحتاج الصفحة أو الرقم : 2/97 | خلاصة حكم المحدث : صحيح أو حسن [كما اشترط على نفسه في المقدمة] التخريج : أخرجه ابن ماجه (1753)، والحاكم (1535)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3904)
الدعاء الثالث: “اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت”
ورد هذا الدعاء عن النبي ﷺ أيضًا، حيث كان يقوله عند الإفطار، ويروى أنه قال: “اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت” (رواه أبو داود)، الا ان الحديث ضعيف رواه أبو داود (2358) عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ.
ويشير هذا الدعاء إلى اعتراف العبد بأن صيامه لله وحده، ويمثل شكرًا لله على النعمة التي أنعم بها على عباده من الأطعمة والأشربة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذا الدعاء: “هذا الدعاء يعكس إخلاص العبد واعترافه بأن كل شيء بفضل الله، ويُظهر فيه العبد شكره لله وتفكره في عظمته”.
الدعاء الرابع: “اللهم اجعلني لك شكورًا، وبك مؤمنًا، وعليك متوكلاً”
هذا الدعاء جاء كدعاء عام يُسن للمسلم أن يدعو به في كل وقت، ويمكن للصائم أن يقوله عند الإفطار، حيث يمثل هذا الدعاء طلبًا للثبات على الإيمان والشكر لله. قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “الدعاء بالثبات والشكر من أفضل الأدعية، لأنه يعكس التزام المسلم وشكره لله، وخاصة في أوقات الإجابة كالإفطار” (ابن رجب، لطائف المعارف).
“كانَ يقولُ في دعائِهِ ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرني ولا تنصُرْ عليَّ، وامكُر لي ولا تَمكُر عليَّ، واهدِني ويسِّرِ الهدى لي، وانصُرني على من بغَى عليَّ، ربِّ اجعَلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطيعًا، إليكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل تَوبَتي، واغسِل حَوبَتي، وأجِب دعوَتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، وثبِّت حجَّتي واسلُلْ سَخيمةَ قلبي” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3103 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه أبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3830) واللفظ له
الدعاء الخامس: أدعية طلب المغفرة والرحمة
ومن الأدعية الأخرى التي يُستحب للصائم أن يدعو بها عند الإفطار هي الأدعية العامة التي تشمل طلب المغفرة والرحمة والتوفيق في الدنيا والآخرة، حيث قال النبي ﷺ: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ كان يقولُ اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من الفقرِ ، وأعوذُ بك من القِلَّةِ والذِّلَّةِ ، وأعوذُ بك أن أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 5475 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
وقد أكد العلماء على أن هذا الدعاء يُستحب للصائم أن يقوله عند الإفطار، لأنه يجمع بين عدة معانٍ سامية تشمل الاستعاذة من الفقر والذل، وطلب العدالة من الله.
أهمية الأدعية النبوية في تعزيز القرب من الله
تأتي هذه الأدعية النبوية قبل الإفطار كوسيلة للتقرب إلى الله، والشعور بالسكينة والطمأنينة. إن تكرار الأدعية الواردة عن النبي ﷺ هو اقتداءٌ بهدي النبي وطريقته في شكر الله بعد إتمام الصيام، وهو ما يدعو المؤمن إلى التفكر في نعم الله وتدبر رحمته.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: “الأدعية النبوية هي أقرب وأحب الأدعية إلى الله، لأنها جمعت بين الفصاحة والإخلاص، وفيها تعظيم لله، وطلب لما فيه الخير من الدنيا والآخرة” (فتاوى ابن عثيمين).
أدعية متنوعة يمكن قولها قبل الإفطار
وقت الإفطار هو من أوقات الإجابة المحببة التي يجب على المسلم أن يستغلها بالدعاء بكل ما يحتاجه في أمور الدنيا والآخرة. وقد ورد عن النبي ﷺ والصحابة الكرام وعن السلف الصالح عدة أدعية شاملة، يمكن للمسلم أن يدعو بها في هذا الوقت. نعرض هنا بعض الأدعية المتنوعة التي يمكن للصائم أن يرددها قبل الإفطار، مع شرح معانيها وأهمية كل منها.
1. طلب الرحمة والمغفرة
الدعاء بطلب الرحمة والمغفرة هو أحد الأدعية الأساسية التي يُستحب للصائم أن يقولها قبل الإفطار، ومن أفضل الأدعية في هذا السياق: “قلتُ : يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةِ القدرِ ما أقولُ فيها ؟ قال : قولي : اللهمَّ إنك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي” الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن دقيق العيد | المصدر : الإلمام بأحاديث الأحكام | الصفحة أو الرقم : 1/364 | خلاصة حكم المحدث : [اشترط في المقدمة أنه] صحيح على طريقة بعض أهل الحديث | التخريج : أخرجه الترمذي (3513)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7712)، وابن ماجه (3850)، وأحمد (25384) باختلاف يسير.
وهو دعاء مأثور عن النبي ﷺ وأوصى به خاصة في العشر الأواخر من رمضان، ولكنه مناسب في جميع أوقات رمضان. طلب العفو والمغفرة يعكس حاجة العبد لله، وهو من الأدعية التي تؤكد على رحمة الله وعفوه.
2. الدعاء بتيسير الأمور وقضاء الحوائج
يمكن للصائم أن يدعو عند الإفطار بتيسير أموره وقضاء حوائجه الدنيوية والأخروية، ومن الأدعية التي يمكن أن تُقال: “عَن عليٍّ ، أنَّ مُكاتبًا جاءَهُ فقالَ : إنِّي قد عَجزتُ عَن مكاتبتي فأعنِّي ، قالَ : ألا أعلِّمُكَ كلِماتٍ علَّمَنيهنَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لو كانَ عَليكَ مثلُ جَبلِ صيرٍ دينًا أدَّاهُ اللَّهُ عَنكَ ، قالَ : قُل : اللَّهمَّ اكفني بِحلالِكَ عن حرامِكَ ، وأغنِني بِفَضلِكَ عَمن سواكَ” الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3563 | خلاصة حكم المحدث : حسن.
هذا الدعاء يعبّر عن طلب الرزق الحلال والاستغناء بما أنعم الله به، مما يعزز من توجيه قلب المسلم إلى الله في كل أمر.
3. طلب الهداية والثبات
الهداية والثبات على الحق هما من أعظم النعم التي يطلبها المسلم، ويستحب أن يدعو بها في أوقات الاستجابة. ومن الأدعية المأثورة: “[عن] شهر بن حوشب قال: قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا” الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3522 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
4. الدعاء بطلب الصحة والعافية
الصحة والعافية هما من أعظم النعم، ويستحب أن يدعو المسلم بحفظها ودوامها، ومن أفضل الأدعية: “لم يكنْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعواتِ حينَ يُمسي، وحينَ يُصبِحُ :اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ ، اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استرْ عورتي وآمنْ روعاتي ، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي”، وقد كان النبي ﷺ يوصي بهذا الدعاء في الصباح والمساء. الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 5074 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه أبو داود (5074) واللفظ له، وابن ماجه (3871)، وأحمد (4785).
ويُستحب أن يردده الصائم قبل الإفطار، طلبًا لحفظ العافية واستدامتها.
5. الدعاء بطلب البركة في الرزق والأبناء
إن الدعاء بطلب البركة هو من الأدعية الجامعة التي يُرجى بها الخير والنماء من الله سبحانه وتعالى في مختلف شؤون الحياة؛ فهو يشمل المال، والأبناء، والصحة، وسائر مجالات الدنيا والآخرة. وعلى الرغم من عدم ورود صيغة محددة منسوبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا السياق، إلا أن هناك أدعية مأثورة ومُستحبة تتناول هذه المعاني من السنة النبوية والقرآن الكريم، ومنها:
- دعاء للذرية الصالحة والبركة في الأهل:
جاء في كتاب الله تعالى دعاء الصالحين بطلب الذرية الصالحة التي تقرّ بها الأعين، فيقول تعالى في سورة الفرقان:
“وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا“ (الفرقان، 74).
يُستحب للمسلم أن يلتزم بهذا الدعاء طلبًا لأن يجعل الله أبناءه قرة عينٍ له، صالِحين في الدنيا ومهتدين في الآخرة.
- طلب البركة في الرزق والمغفرة والرحمة:
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو الله عز وجل بالبركة فيما رزقه، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “نَزَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى أَبِي، قالَ: فَقَرَّبْنَا إلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً، فأكَلَ منها، ثُمَّ أُتِيَ بتَمْرٍ، فَكانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بيْنَ إصْبَعَيْهِ، وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، قالَ شُعْبَةُ: هو ظَنِّي، وَهو فيه -إنْ شَاءَ اللَّهُ- إلْقَاءُ النَّوَى بيْنَ الإصْبَعَيْنِ، ثُمَّ أُتِيَ بشَرَابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذي عن يَمِينِهِ، قالَ: فَقالَ أَبِي وَأَخَذَ بلِجَامِ دَابَّتِهِ: ادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لهمْ في ما رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لهمْ وَارْحَمْهُمْ.” الراوي : عبدالله بن بسر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2042 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
هذا الدعاء يحمل في معناه طلب البركة في كل ما يمنحه الله من رزق وخير، ويُستحب للمؤمن أن يسأله بركةً وزيادةً في الرزق، مع المغفرة والرحمة.
- دعاء جامع لطلب البركة في المال والأبناء والصحة وسائر الأمور:
يمكن للمؤمن أن يدعو الله تعالى دعاءً جامعًا فيقول: “اللهم ارزقني رزقاً طيباً مباركاً، وبارك لي في مالي وأهلي وذريتي، واجعلهم لي قرة عين، وبارك لي في ديني ودنياي وآخرتي، واغفر لي وارحمني واهدني واهدِ ذريتي إلى صراطك المستقيم”.
هذه الأدعية تتضمن معاني البركة والسعة في الرزق والذرية الصالحة، وتستند إلى أدعية من السنة النبوية وآيات كريمة، وهي تذكير للمسلم باللجوء إلى الله تعالى طلبًا لفضله وعطائه في الدنيا والآخرة.
6. الدعاء لصالح المسلمين والمحتاجين
الدعاء لإخواننا المسلمين، وخاصة المحتاجين منهم، يُعد من الأدعية المباركة التي يعزز الله بها محبة المسلمين وتآزرهم، كما قال النبي ﷺ: “ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، إلَّا قالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمِثْلٍ” الراوي : أبو الدرداء | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2732 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
يمكن للصائم أن يقول: “اللهم ارحم أمة محمد واغفر لهم وارزق المحتاجين وأغث الملهوفين”، فهو دعاء يشمل الإحسان للمسلمين، ويؤكد على أهمية التكافل في الدعاء.
7. الدعاء برضى الله والجنّة
طلب رضى الله والجنة هو من المقاصد الكبرى لكل مؤمن، ويُستحب أن يسأل الصائم هذا الطلب العظيم في وقت الإفطار، “قالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لرَجُلٍ: كَيفَ تقولُ في الصَّلاةِ، قالَ: أتَشَهَّدُ وأقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ، وأَعوذُ بِكَ منَ النَّارِ أما إنِّي لا أُحسنُ دَندنتَكَ ولا دَندنةَ مُعاذٍ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: حولَها نُدَنْدنُ”. وقد ورد عن السلف الصالح كثرة تكرارهم لهذا الدعاء، مؤكدين على أن رضى الله هو غاية كل مؤمن. الراوي : بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 792 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
نصائح لتعظيم الاستفادة من وقت الإفطار في الدعاء
وقت الإفطار هو من الأوقات المباركة التي ينبغي على المسلم أن يستغلها بالدعاء والتقرب إلى الله، لما في هذا الوقت من بركة واستجابة. يُنصح الصائم ببعض الإرشادات التي تعينه على تحقيق الاستفادة القصوى من هذا الوقت المبارك، وتجعل دعاءه أقرب للقبول. إليك بعض النصائح التي تساعد على تعظيم أثر الدعاء قبل الإفطار.
1. حضور القلب والخشوع
يُعدّ حضور القلب والخشوع من أهم الأمور التي يجب أن يحرص عليها الصائم عند الدعاء. فقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: “ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لَاهٍ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم : 245 | خلاصة حكم المحدث : حسن التخريج : أخرجه الترمذي (3479) واللفظ له، والبزار (10061).
إن الخشوع يُعبّر عن إيمان المسلم بحقيقة الدعاء وتضرعه لله، وينبغي على الصائم أن يُبعد عن قلبه أي شواغل أو أفكار تشتت انتباهه عند الدعاء.
2. تجنب العجلة والتأني في الدعاء
من سنن الدعاء التأني وتجنب العجلة، فالعجلة في الدعاء قد تمنع الخشوع وتشتت التركيز. يقول النبي ﷺ: “يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6340 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).
لذا، ينبغي للصائم أن يتأمل في دعائه ويتأنى في طلبه، ويثق بأن الله سيجيب دعاءه في الوقت المناسب وبالطريقة التي يراها أصلح له.
3. إعداد قائمة بالدعوات المهمة
قد يجد المسلم صعوبة في تذكر جميع الأمور التي يريد الدعاء بها، لذا يمكنه إعداد قائمة بالدعوات والأمور التي يرغب في طلبها من الله. يمكن أن تشمل هذه القائمة أمورًا تتعلق بالدنيا، مثل الصحة والرزق، وأخرى تتعلق بالآخرة، مثل المغفرة والجنة. كتابة هذه الدعوات ستساعده على التركيز والصدق في دعائه.
4. الدعاء بصيغ متنوعة وشاملة
ينبغي على الصائم أن يستخدم صيغ دعاء شاملة تعبر عن كل ما يحتاجه، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان يحب الأدعية الجامعة، مثل قوله: “وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ“ (سورة البقرة: 201). كما يُستحب له أن يشمل في دعائه أصدقائه وأسرته وجميع المسلمين، لأن الدعاء بظهر الغيب يفتح باب الاستجابة، ويقال للذي يدعو لأخيه: “ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، إلَّا قالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمِثْلٍ” (رواه مسلم).
5. التوجه نحو القبلة ورفع اليدين
التوجه نحو القبلة عند الدعاء هو من الآداب المستحبة في الدعاء، وهو ما كان يفعله النبي ﷺ. وقد ورد عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه عند الدعاء، وهذا يُعبّر عن الخضوع والتضرع لله، ويُعد من أسباب استجابة الدعاء. يقول الشيخ ابن باز رحمه الله: “رفع اليدين في الدعاء سنة عن النبي، وهو من الأدلة على خشوع العبد وتذلله لله” (فتاوى ابن باز).
6. البدء بالثناء على الله والصلاة على النبي ﷺ
من أدب الدعاء أن يبدأ المسلم بالثناء على الله وحمده، والصلاة على النبي ﷺ قبل الدخول في الدعاء. فقد جاء في الحديث عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: “سمع النبي رجلًا يدعو في صلاته لم يمجّد الله ولم يصل على النبي، فقال النبي ﷺ: “سمعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدْعُو في صلاتِهِ فلمْ يُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَجِلَ هذا ثُمَّ دعاهُ فقال لهُ أوْ لغيرِهِ إذا صلَّى أحدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ والثَّناءِ عليهِ ثُمَّ لَيُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثُمَّ لَيَدْعُ بَعْدُ بِما شاءَ” الراوي : فضالة بن عبيد | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3477 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح | التخريج : أخرجه أبو داود (1481)، وأحمد (23937) باختلاف يسير، والترمذي (3477) واللفظ له، والنسائي (1284) بنحوه.
7. الدعاء بصدق وتواضع والتذلل لله
يجب أن يُعبر المسلم عن صدقه وتواضعه أمام الله أثناء الدعاء، فقد ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال: “أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ“ الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 482 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
يمكن للصائم أن يجلس قبل الإفطار بقليل في وضعية تُعبّر عن التواضع والخشوع، مما يجعله أكثر استعدادًا للتواصل مع الله بقلب صادق ونية خالصة.
“إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، ولا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِنِي؛ فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ له.” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6338 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (6338)، ومسلم (2678).
الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه عزّ وجلّ؛ ولهذا كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلّم أصحابه كيفية الدعاء بآدابه وأركانه. في هذا الحديث، يأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المسلمين بأنه إذا دعا أحدهم ربّه فعليه أن يعزم المسألة، بمعنى أن يسأل الله بصدق ويطلب منه بوضوح دون تردّد، فيقول: «ولا يقولنّ: اللهم إن شئت فأعطني»، أي أن لا يشك في قبول الدعاء، بل يكون على يقين بوقوع ما يسأله، ولا يعلّق الأمر بمشيئة الله.
فالمقصود هنا أن التعليق بالمشيئة يليق حين يكون المطلوب من البشر، لأنه من الممكن أن يُكره الشخص على فعل شيء، فيخفف عنه بطلبٍ مرتبط برضاه؛ أما الله سبحانه وتعالى فهو منزه عن هذا النقص، فلا داعي لتعليق الدعاء بمشيئته.
لذلك ينبغي على المسلم أن يجتهد في دعائه، وأن يكون على رجاء بالإجابة دون يأس من رحمة الله تعالى، فهو يدعو كريماً لا يردّ السائلين، ويدعو دعاء المستكين الفقير الذي يعلم أن الله قادر على كل شيء.
8. ختم الدعاء بحمد الله والثناء عليه
ختم الدعاء بحمد الله والثناء عليه يزيد من بركة الدعاء ويعزز من استجابة الله له. وقد كان النبي ﷺ يحبّ أن يختتم دعاءه بحمد الله وتمجيده، كما قال النبي ﷺ: “إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ – وقالَ ابنُ شِهَابٍ – وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: آمِينَ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 780 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410)
يُمكن للصائم أن يختم دعاءه بقوله “الحمد لله رب العالمين” أو “سبحانك اللهم وبحمدك”.
سنن الإفطار وأهميتها في قبول الدعاء
اتباع سنن الإفطار هو من الأمور التي تؤدي إلى البركة، وتعزز من روحانية الإفطار، كما أنها تساهم في تقبل الدعاء. فقد وردت عن النبي ﷺ عدة سنن في الإفطار، كانت تمثل نهجًا عمليًا وروحيًا يحافظ على الصحة ويزيد من الخشوع والتضرع عند الإفطار.
1. الإفطار على تمرات أو ماء
ورد عن النبي ﷺ أنه كان يفطر على تمرات، فإن لم يجد فعلى الماء. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُفطِرُ علَى رُطَباتٍ قبلَ أن يصلِّيَ فإن لم تكن رُطَباتٌ فعلى تَمراتٍ فإن لم تَكُن حَسا حَسَواتٍ مِن ماءٍ” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 2356 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح.
الإفطار على التمر له فوائد صحية، إذ يُسهم في رفع مستوى السكر في الدم بسرعة، ويُعد غذاءً متكاملاً خفيفًا يُسهل على المعدة البدء في الهضم بعد فترة من الراحة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: “التمر هو من أكثر الأغذية توافقًا مع الصائم، فهو يمده بالطاقة ويسهم في تهدئة المعدة بعد يوم من الصيام”.
2. الدعاء قبل تناول الطعام
من سنن النبي ﷺ أن يحرص على الدعاء وقت الإفطار، حيث يكون هذا الوقت من الأوقات التي يُرجى فيها قبول الدعاء، وتكون فيه النفس خاشعة وحاضرة بين يدي الله. فقد ورد عن النبي ﷺ قوله: “ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ وتُفتَّحُ لها أبوابُ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعد حينٍ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 2/121 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] | التخريج : أخرجه الترمذي (3598) واللفظ له، وابن ماجه (1752)، وأحمد (8030).
ويشير هذا الحديث إلى فضل الدعاء عند الإفطار، مما يدلّ على استحباب تخصيص لحظة من الخشوع والتضرع لله قبل البدء بالطعام، حيث يُرجى أن تكون الدعوات في هذا الوقت مستجابة، ويُستحب للصائم أن يستغل هذه اللحظة في الدعاء بما يشاء من خير الدنيا والآخرة.
3. تجنب الشبع والاعتدال في الأكل
حث النبي ﷺ على عدم الإفراط في الأكل عند الإفطار، فقد قال: “ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ” الراوي : المقدام بن معدي كرب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2380 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه الترمذي (2380) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6769)، وابن ماجه (3349)، وأحمد (17186).
يساهم الاعتدال في الأكل عند الإفطار في المحافظة على النشاط والخشوع للصلاة وللعبادات، ويجعل الإنسان أكثر قدرة على إتمام يومه بسلام.
4. تعجيل الإفطار وتأخير السحور
كان من سنة النبي ﷺ تعجيل الإفطار، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: لا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ” الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1957 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (1098).
تعجيل الإفطار يعزز من البركة في الوقت واتباع السنة، ويزيد من أجر الصائم، ويساهم في تنظيم يومه بين الإفطار والعبادة.
خلاصة وتوجيهات للاستمرار على الدعاء بعد الإفطار
بعد الإفطار، يستحب أن يستمر المسلم على الدعاء والمناجاة لله، فشهر رمضان هو فرصة عظيمة للاتصال المستمر بالله. إليك بعض التوجيهات للاستمرار على الدعاء بعد الإفطار:
1. الدعاء في صلاة التراويح وقيام الليل
شهر رمضان هو شهر قيام الليل وصلاة التراويح، التي يُستحب فيها الإكثار من الدعاء. وقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: “مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 37 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759).
الدعاء في قيام الليل هو من الأمور التي تحبب الله للعبد، حيث قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “قيام الليل هو مفتاح القلوب، فمن أراد قرب الله ورضاه فعليه بقيام الليل”.
2. الاستمرار على الدعاء في أوقات الإجابة الأخرى
إضافة إلى وقت الإفطار، توجد أوقات أخرى في رمضان تعتبر من أوقات الإجابة، كوقت السحر قبل الفجر، وفي أوقات الصلاة، وفي جوف الليل. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: “يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1145 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).
3. التوبة والاستغفار بعد الإفطار
إن الاستغفار والتوبة بعد الإفطار يعدان من الأعمال المحببة في شهر رمضان. فقد قال ابن القيم رحمه الله: “من أراد الخير فعليه بالاستغفار، فإنه يمحو الذنوب ويجلب الرحمة”. المسلم يستفيد من لحظات الإفطار لتجديد التوبة واستغفار الله على أي تقصير قد وقع فيه خلال يومه.
الخاتمة
الدعاء قبل الإفطار في رمضان هو من الأوقات المباركة التي يجب على المسلم أن يحرص على استغلالها، فهي لحظات تتيح له التقرب إلى الله وطلب المغفرة والرحمة. لقد بيّنت السنة النبوية فضل هذا الوقت، ودعت المسلمين إلى التوجه إلى الله بصدق وإخلاص، ليكون الدعاء وسيلة للتقرب من الله وتكفير الذنوب. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والدعاء، وأن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الفضيل.