الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيفية قضاء الصلاة الفائتة وفقًا للشريعة الإسلامية من أهم الأمور على كل مسلم ان يتعلمها و يعلمها فقضاء الصلوات الفائتة ليس مجرد واجب شرعي، بل هو أيضًا فرصة للتوبة والعودة إلى الله، وللتصالح مع النفس ومع الله. الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام وعماد الدين، وهي الصلة الدائمة بين العبد وربه.

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

“فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” (النساء: 103)

فالصلاة هي فرض لا يسقط عن المسلم، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أولُ ما يحاسبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ ، فإنْ صَلَحَتْ ، صَلَحَ سائِرُ عَمَلِه ، و إنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائِرُ عَمَلِه” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 376 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره

خطورة ترك الصلاة

قال الرسول ﷺ: “العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد كفرَ” الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : ابن باز | المصدر : مجموع فتاوى ابن باز | الصفحة أو الرقم : 312/10 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه الترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22987)

وفي لفظ اخر, قال الرسول ﷺ: “إنَّ العهدَ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ . فمن تركها فقد كفر” الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي الصفحة أو الرقم: 462 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وتُعتبر عمود الدين. من أداها كما ينبغي فقد ضمن النجاة، ومن أهملها فلا يجد عذرًا إلا في نفسه. يذكر الحديث الشريف الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة”، ويُفهم منه أن الفارق بين المسلم والمنافق هو الحفاظ على الصلاة. ويُقال إن ترك الصلاة يُعتبر كفرًا، فمن تركها عمدًا كأنه كافر، لأن الصلاة هي حد الفصل بين المسلم والكافر.

وأجمع العلماء على أن من ينكر فرضية الصلاة فهو كافر، ويُعامَل معاملة الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله. بينما يُختَلَف في حكم من تركها كسلاً أو تهاونًا دون جحود. ويُعتبر الرأي الراجح أن من أهمل الصلاة تمامًا بسبب الكسل أو التهاون فهو كافر، استدلالًا بالحديث الشريف وآيات من القرآن كقوله تعالى في سورة مريم: “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(مريم: 59). وهذا يدل على خطورة ترك الصلاة والتبعات الوخيمة لهذا الفعل.

كذلك يقول الله تعالى: “مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(الروم: 31)، مشددًا على الصلة بين إقامة الصلاة وتجنب الشرك. وصحيح مسلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ”. الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 82 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وفي لفظ اخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ”. الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البيهقي | المصدر : السنن الصغير للبيهقي | الصفحة أو الرقم : 1/220 | خلاصة حكم المحدث : له متابعة | التخريج : أخرجه مسلم (82)

هذه النصوص تبرز الأهمية المطلقة للصلاة في الإسلام. وتستند أحكام الإسلام على ما يظهر من الأعمال، والصلاة هي من أظهر العبادات التي تميز حال الإنسان وتدينه

وحتى إن فاتتك الصلاة، يفتح الله باب التوبة على مصراعيه لمن أراد أن يعود إليه ويصلح ما فات.

قال الله تعالى: “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” (طه: 14)

وكما ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

“مَن نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها، فإنَّ كَفَّارتَها أنْ يُصَلِّيَها إذا ذكَرَها” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 14007 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين | التخريج : أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684) باختلاف يسير

“من نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فليصلِّها إذا ذَكرَها. فإنَّ ذلِكَ وقتُها” المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى الصفحة أو الرقم: 23/90 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

“مَن نَسِيَ صلاةً فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها، لا كفارةً لها إلا ذلك.” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 442 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684) واللفظ له.

“مَن نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذلكَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” (طه: 14). قَالَ مُوسَى: قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يقولُ: بَعْدُ: وأَقِمِ الصَّلَاةَ للذِّكْرَى.” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 597 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684)

فهذه الأحاديث الشريفة توضح أن قضاء الصلاة الفائتة واجب على المسلم فور تذكره أو عند استيقاظه من نومه، إذ لا توجد كفارة للصلاة الفائتة سوى قضائها.

وفي الحديث القدسي، يقول الله عز وجل: “قال اللهُ: يا ابنَ آدمَ ! إنك ما دعوْتَنِي ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ ! لو بلغت ذنوبُك عنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي ، يا ابنَ آدمَ ! إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تُشركُ بى شيئًا ؛ لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً .” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب | الصفحة أو الرقم : 1616 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره | التخريج : أخرجه الترمذي (3540) واللفظ له، وأحمد (13493) مختصراً بمعناه.

“قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 3540 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه الترمذي (3540) واللفظ له، وأحمد (13493) مختصراً بمعناه.

مما يدل على أن التوبة مفتوحة دائمًا لكل من أراد العودة إلى الله.

في هذا المقال، سنتناول كيفية قضاء الصلوات الفائتة وفقًا للأدلة الشرعية من القرآن والسنة، ونشرح بالتفصيل آراء العلماء حول هذه المسألة، ونجيب عن الأسئلة الشائعة التي يطرحها المسلمون حول هذا الموضوع.

التوبة لمن ترك الصلاة والتوبة النصوح

التوبة هي أول خطوة يجب أن يتخذها المسلم الذي ترك الصلاة عمدًا أو تساهل فيها. الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده ويقبل التوبة من التائبين. قال الله تعالى:

“قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ” (الأنفال: 38)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:“التَّائبُ من الذَّنبِ كمن لا ذنبَ له” الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 4/122 | خلاصة حكم المحدث : [فيه] أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، ولم يسمع منه | التخريج : أخرجه ابن ماجة (4250 )، والطبراني في ((المعجم الكبير )) (10/ 150) (10281 )،والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (108 )
“التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ” الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم: 3446 | خلاصة حكم المحدث : حسن | التخريج : أخرجه ابن ماجة(4250 )،والطبراني في ((المعجم الكبير)) (10281 )، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (108 )

والتوبة النصوح تعني الندم الصادق على ترك الصلاة، والعزم على عدم العودة لهذا الذنب، والاستقامة على أداء الفرائض كما أمر الله. وقد أمر الله تعالى عباده بالتوبة النصوح، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (التحريم: 8)

ومن فضل الله ورحمته، أن التوبة الصادقة تمحو الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الإسلامُ يهدمُ ما كان قبلَه، والتوبةُ تَجبُّ ما كان قبلَها” الراوي : – | المحدث : ابن باز | المصدر : مجموع فتاوى ابن باز | الصفحة أو الرقم : 115/2 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

“حَضَرْنا عَمْرَو بنَ العاصِ، وهو في سِياقَةِ المَوْتِ، يَبَكِي طَوِيلًا، وحَوَّلَ وجْهَهُ إلى الجِدارِ، فَجَعَلَ ابنُهُ يقولُ: يا أبَتاهُ، أما بَشَّرَكَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بكَذا؟ أما بَشَّرَكَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بكَذا؟ قالَ: فأقْبَلَ بوَجْهِهِ، فقالَ: إنَّ أفْضَلَ ما نُعِدُّ شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، إنِّي قدْ كُنْتُ علَى أطْباقٍ ثَلاثٍ، لقَدْ رَأَيْتُنِي وما أحَدٌ أشَدَّ بُغْضًا لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِنِّي، ولا أحَبَّ إلَيَّ أنْ أكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ منه، فَقَتَلْتُهُ، فلوْ مُتُّ علَى تِلكَ الحالِ لَكُنْتُ مِن أهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإسْلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قالَ: ما لكَ يا عَمْرُو؟ قالَ: قُلتُ: أرَدْتُ أنْ أشْتَرِطَ، قالَ: تَشْتَرِطُ بماذا؟ قُلتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ولا أجَلَّ في عَيْنِي منه، وما كُنْتُ أُطِيقُ أنْ أمْلأَ عَيْنَيَّ منه إجْلالًا له، ولو سُئِلْتُ أنْ أصِفَهُ ما أطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أكُنْ أمْلأُ عَيْنَيَّ منه، ولو مُتُّ علَى تِلكَ الحالِ لَرَجَوْتُ أنْ أكُونَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ ولِينا أشْياءَ ما أدْرِي ما حالِي فيها، فإذا أنا مُتُّ فلا تَصْحَبْنِي نائِحَةٌ، ولا نارٌ، فإذا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرابَ شَنًّا، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ ما تُنْحَرُ جَزُورٌ ويُقْسَمُ لَحْمُها، حتَّى أسْتَأْنِسَ بكُمْ، وأَنْظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي.” الراوي : عمرو بن العاص | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 121 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

المؤمن الصادق يعيش بين خوف ورجاء؛ يخشى عقاب الله عز وجل على زلاته، وفي الوقت نفسه يأمل في رحمته، مجتهدًا في الطاعات والأعمال الصالحة. وقد كان الصحابة، رضي الله عنهم، خير مثال على هذا الحال. يروي عبد الرحمن بن شماسة المهري أنهم دخلوا على عمرو بن العاص، رضي الله عنه، في لحظاته الأخيرة وهو يمر بسكرات الموت، وكان يبكي من خشية الله تعالى، متذكرًا يوم القيامة رغم شرف صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان حال العباد الصالحين دائماً ملؤه الخوف والبكاء على التقصير، مهما بلغوا من عبادة وطاعة.

وفي أثناء تلك اللحظات العصيبة، حول عمرو بن العاص وجهه عن الحاضرين إلى الجدار، يجنبهم لئلا يشغلوه عن مناجاة ربه وتأمله في الآخرة. وكان ابنه عبد الله بن عمرو يحاول تخفيف معاناته بتذكيره بما بشره به النبي صلى الله عليه وسلم ليطمئن قلبه ويزول حزنه.

يقول عمرو بن العاص، رضي الله عنه، في محاورة مع الحاضرين إن أعظم ما يمكن أن نحتفظ به للآخرة هو “شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”، فهذه هي الأساس في الإيمان بالله وتوحيده والإقرار برسالة نبيه.

ثم يستعرض عمرو حياته المقسمة إلى ثلاث مراحل: فترة جهله قبل الإسلام، وكراهيته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه لو مات على ذلك الحال لكان من أهل النار. يليها فترة إسلامه حيث تغير قلبه وأحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من كل شيء. وأخيرًا، مرحلة توليه الأمور السياسية وشعوره بعدم اليقين حول ما قدمه خلالها.

في هذه الرواية، يبرز الحديث قيمة الإسلام والهجرة والحج كأعمال تمحو الذنوب، ويعظم من مكانة الصحابة واحترامهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويبين الأدب الجم في التعامل مع الموت والميت

حكم قضاء الصلاة الفائتة عند العلماء

الصلاة فرض عين على كل مسلم مكلف، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام وأعظمها عملا بعد الشهادة بالتوحيد. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة من ترك الصلاة، موضحاً أن تركها يعد من الكبائر التي تؤدي إلى الشرك والكفر. إن ترك الصلاة جحوداً لفرضيتها يعتبر كفراً بالإجماع، وكذلك هو الحال لمن يتركها كلياً سواء بتهاون أو كسل. وقد أكد الصحابة رضوان الله عليهم على هذا الإجماع. والشخص الذي يؤدي الصلاة أحياناً ويتركها أحياناً أخرى يعد مفرطاً فيها، وهو تحت تهديد الوعيد الشديد.

ويؤكد الله سبحانه في كتابه العزيز: “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)” (مريم: 59، 60). هذه الآية تذم من أهمل الصلاة، سواء بتركها بالكلية أو بإهمال بعض أركانها وشروطها، أو بالتفريط في واجباتها، أو بتأخيرها عن وقتها المحدد، مما يعكس انغماس الفرد في شهواته الدنيوية، مفضلاً إياها على طاعة الله وبذلك يستحق العقاب الأليم في الآخرة إلا إذا عاد إلى صوابه بالتوبة والعمل الصالح.

إن ترك الصلاة يعد تقصيراً كبيراً في حق العبادة الجليلة، ويجب على المسلم الحرص الشديد على أدائها وعدم التهاون فيها. ويتميز الكفر عن الشرك بأن الكفر يعني الجحود بالله تعالى بينما يختص الشرك بعبادة غير الله مع الاعتراف به، كما كان حال كفار قريش. وفي هذا يظهر التحذير النبوي الشديد من إهمال الصلاة وتبعاتها الخطيرة. وصحيح مسلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ”. الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 82 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وفي لفظ اخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “بينَ الرجلِ وبينَ الشركِ والكفرِ تركُ الصلاةِ”. الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البيهقي | المصدر : السنن الصغير للبيهقي | الصفحة أو الرقم : 1/220 | خلاصة حكم المحدث : له متابعة | التخريج : أخرجه مسلم (82)

العلماء مختلفون حول ضرورة قضاء الصلاة لمن تركها بعمد. أغلب الفقهاء يرى أن القضاء في هذه الحالة واجب، معتبرين أن من ترك الصلاة ناسيًا أو نائمًا يجب عليه القضاء، فالأولى قضاء من أهملها عن قصد. الفارق بين من له عذر ومن لا عذر يتمثل في تحمل الإثم. المذاهب الإسلامية تختلف في تحديد توقيت قضاء الصلاة الفائتة. المالكية والحنابلة يؤكدون على ضرورة القضاء الفوري للصلاة الفائتة. بينما يرى الشافعية أنه إذا فاتت الصلاة بعذر، فلا يعتبر القضاء الفوري واجبًا بل هو مستحب. أما إذا فاتت بدون عذر، فهناك رأيان؛ أحدهما يدعم وجوب القضاء الفوري.

طريقة قضاء الصلوات الفائتة تتطلب من المسلم أن يؤدي كل يوم صلوات إضافية فوق الصلوات الخمس المعتادة، وذلك في أي وقت يجده مناسبًا خلال الليل أو النهار. يجب أن يأخذ الشخص في اعتباره ألا يسبب القضاء ضررًا لجسده أو يعرقل معيشته. يجب الاستمرار بهذه الطريقة حتى يتم قضاء جميع الصلوات المتأخرة، إذا كان الشخص يعرف عددها. وإذا لم يكن متأكدًا من العدد، يقوم بقضاء ما يعتقد أنه كافٍ لتبرئة ذمته بإذن الله تعالى

وبناءً على هذا القول، يجب على المسلم الذي ترك الصلاة عمدًا أن يبادر بقضائها فورًا، وأن يجتهد في تقدير عدد الصلوات الفائتة إن لم يكن يعلم العدد.

كيفية قضاء الصلاة الفائتة

1. الترتيب في قضاء الفوائت

يمكن أداء قضاء الصلوات المفروضة في أي وقت، سواء خلال الليل أو النهار، حتى في أوقات النهي، مع الحرص على مراعاة الترتيب الصحيح للصلوات. ينبغي أن تؤدى صلاة الفجر أولاً، تليها الظهر، ثم العصر، المغرب، وأخيرًا العشاء. هذا التسلسل مفروض عند المالكية ولا يعتبر شرطًا لصحة القضاء، بينما يعد واجبًا وشرطًا لصحة الصلاة عند الحنابلة، إلا في حال وجود عذر مقبول. أما الشافعية فيرون أن هذا الترتيب مستحب

قال في منح الجليل وهو مالكي: والمعتمد أن ترتيب الفوائت في أنفسها واجب غير شرط. وقال الحطاب وهو مالكي أيضا: قال في مواهب الجليل: قال الشيخ زروق في شرح الرسالة: قوله- يعني صاحب الرسالة-: ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، وكيفما تيسر له يعني من القلة والكثرة ما لم يخرج لحد التفريط، ولا حد في ذلك بل يجتهد بقدر استطاعتهقال ابن رشد (والكلام للحطاب) مع التكسب لعياله ونحوه، لا كما قال ابن العربي عن أبي محمد صالح إن قضى في كل يوم يومين لم يكن مفرطا، ويذكر خمسا، فأما مع كل صلاة كما تقول العامة فعل لا يساوي بصلة، ومن لم يقدر إلا على ذلك فلا يدعه لأن بعض الشر أهون من بعض.

وقال في مطالب أولي النهى وهو حنبلي: ويجب على مكلف لا مانع به قضاء مكتوبة فائتة من الخمس مرتبا إلى أن قال: ولو كثرت الفوائت كما لو قلت، فإن ترك ترتيبها بلا عذر لم يصح لأنه شرط كترتيب الركوع والسجود.

وقال في أسنى المطالب وهو شافعي: ويجب قضاء الفوائت الفرائض بخبر الصحيحين: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، ثم إن فاتت بغير عذر وجب قضاؤها على الفور، وإلا ندب ويستحب ترتيبها لترتيبه صلى الله عليه وسلم فوائت الخندق وخروجا من الخلاف.

وفي الحديث النبوي الشريف ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى صلوات الخندق مرتبة.

“إنَّ المشرِكينَ شغَلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن أربعِ صلَواتٍ يومَ الخندقِ فأمرَ بلالًا فأذَّنَ ثمَّ أقامَ فصلَّى الظُّهرَ ثمَّ أقامَ فصلَّى العصرَ ثمَّ أقامَ فصلَّى المغربَ ، ثمَّ أقامَ فصلَّى العِشاءَ” الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 661 | خلاصة حكم المحدث : صحيح [لغيره] | التخريج : أخرجه الترمذي (179)، والنسائي (662) واللفظ له، وأحمد (3555)

2. قضاء الصلاة الفائتة في أوقات النهي

اتفق العلماء على جواز قضاء الصلوات الفائتة في أي وقت، حتى في أوقات النهي مثل وقت شروق الشمس أو غروبها. وقد استدل العلماء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:

“مَن نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها، فإنَّ كَفَّارتَها أنْ يُصَلِّيَها إذا ذكَرَها” الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 14007 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين | التخريج : أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684) باختلاف يسير

الصلاة الفائتة يجب قضاؤها فور تذكرها بغض النظر عن الوقت.

3. عدد الصلوات المجهولة وكيفية تقديرها

إذا لم يكن المسلم يعلم عدد الصلوات التي فاتته، يجب عليه الاجتهاد في تقدير العدد.

قال ابن قدامة في المغني: إذَا كَثُرَت الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ, مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ, أَمَّا فِي بَدَنِهِ فَأَنْ يَضْعُفَ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ, وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ, بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ عَنْ مَعَاشِهِ, أَوْ يُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ, فِي الرَّجُلِ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ: يُعِيدُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا قَدْ ضَيَّعَ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَضَاءِ الْفَرَائِضِ, وَلَا يُصَلِّي بَيْنَهَا نَوَافِلَ, وَلَا سُنَنَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ , فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةً, وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَهَمُّ, فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَوْلَى, إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ يَسِيرَةً, فَلَا بَأْسَ بِقَضَاءِ سُنَنِهَا الرَّوَاتِبِ, لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ, فَقَضَى سُنَّتَهَا قَبْلَهَا.

يجب على المسلم أن يقضي ما يغلب على ظنه أنه يعادل الصلوات التي فاتته، ويستمر في ذلك حتى يتيقن من براءة ذمته.

الأسئلة الشائعة

الخاتمة

قضاء الصلاة الفائتة واجب على كل مسلم، والتوبة النصوح هي السبيل إلى مغفرة الله. يجب على المسلم أن يبادر إلى قضاء الصلوات الفائتة دون تأخير، وأن يتوب إلى الله بصدق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top