الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد, فالأضحية هي سنة مؤكدة في حق المسلم القادر عليها، وهي من العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى في عيد الأضحى للتقرب إليه، حيث تكون هذه التضحية عن النفس أو عن الأهل. لكن من المسائل التي تثير تساؤلات بين المسلمين هي حكم الأضحية عن الميت، وهل يجوز للمسلم أن يضحي عن شخص توفي؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال، حيث سنستعرض الأدلة الشرعية من القرآن والسنة، ونناقش آراء العلماء في هذه المسألة.

حكم الأضحية عن الميت في الإسلام
الأضحية في الإسلام سنة مؤكدة على المسلم القادر عليها في عيد الأضحى. قد يكون هناك خلاف بين العلماء في جواز الأضحية عن الميت، ونبدأ بالقول أن الأضحية عن الميت ليست واجبة ولا فرضًا إلا إذا أوصى بها الميت قبل وفاته أو نذرها.
أما إذا لم يوصِ الميت بها أو ينذرها، فقد اختلف أهل العلم في جواز التضحية عنه:
- القول الأول:
- يرى الحنفية والحنابلة أن الأضحية عن الميت تصح، ويصل ثوابها إلى الميت. ويستدلون على ذلك بما رواه أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده، حيث ذكروا أن عليًا رضي الله عنه كان يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين، وقال: “إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني بذلك”. لكن هذا الحديث ضعفه بعض العلماء مثل الألباني وشعيب الأرناؤوط، لما فيه من ضعف في السند لجهالة أبي الحسناء.
- القول الثاني:
- ذهب الشافعية إلى أن الأضحية عن الميت لا تصح إلا إذا أوصى بها الميت. وقال النووي رحمه الله في “المنهاج”: “ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوص بها”.
- القول الثالث:
- يرى المالكية أن الأضحية عن الميت مكروهة إذا لم يوصِ بها الميت، حيث قال الإمام خليل رحمه الله في مختصره: “وكره جز صوفها… وفعلها عن ميت”، وقال في “التوضيح”: “وقال مالك في الموازية: ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين، قال: وإنما كره أن يضحى عن الميت لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، وأيضا فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة.”
- يرى المالكية أن الأضحية عن الميت مكروهة إذا لم يوصِ بها الميت، حيث قال الإمام خليل رحمه الله في مختصره: “وكره جز صوفها… وفعلها عن ميت”، وقال في “التوضيح”: “وقال مالك في الموازية: ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين، قال: وإنما كره أن يضحى عن الميت لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، وأيضا فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة.”
الأضحية عن الميت بحسب المذاهب الفقهية
- الحنفية والحنابلة:
- كما ذكرنا، يجيز الحنفية والحنابلة التضحية عن الميت، ويؤكدون أن ثواب الأضحية يصل إلى الميت ويجدر بالحي أن يضحي عن الميت إذا كان ذلك بدافع الإحسان والبر به.
- الشافعية:
- على العكس، ذهب الشافعية إلى أن الأضحية عن الميت لا تصح إلا إذا أوصى الميت بذلك، أو كان هناك نذر أو وقف لهذه الأضحية. قال في المنهاج: “ولا تجوز ولا تقع أضحية عن ميت إذا لم يوص بها.“
- المالكية:
- المالكية يكرهون الأضحية عن الميت ما لم يكن قد أوصى بها، استنادًا إلى أنهم لم يروا في السنة أو سيرة السلف ما يدل على ضرورة التضحية عن الميت أو تفضيلها. قال في مختصر خليل في ذكر المكروهات في الأضحية: وكره جز صوفها…وفعلها عن ميت. ا.هـ وقال في التوضيح: وقال مالك في الموازية: ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين، قال: إنما كره أن يضحى عن الميت لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، وأيضاً فإن المقصود بذلك غالباً المباهاة والمفاخرة.
أقسام الأضحية عن الأموات
الأضحية عن الأموات تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
- الأضحية عن الأموات تبعًا للأحياء:
مثل أن يضحي الشخص عن نفسه وأهل بيته، وينوي أن يشمل الثواب الأحياء والأموات. وهذه الطريقة جائزة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن نفسه وأهل بيته، وكان بعضهم قد توفي في حياته. - الأضحية عن الأموات تنفيذًا لوصاياهم:
إذا أوصى المتوفى بالتضحية عنه، فيجب على ورثته أو من يليه تنفيذ هذه الوصية، إلا إذا كان هناك عذر شرعي يمنعهم من ذلك. وأساس هذا الحكم قول الله تعالى: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 181). - الأضحية عن الأموات تبرعًا مستقلة:
أي أن الشخص يضحي عن المتوفى بشكل مستقل، مثل أن يذبح أضحية خصيصًا لوالده أو والدته المتوفيين. وهذه الطريقة جائزة، وقد ذكر فقهاء الحنابلة أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به، استنادًا إلى ما ذكره العلماء في حكم الصدقة عن الميت.
ولكن، لا يُستحب تخصيص الأضحية للميت فقط باعتباره من السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضحي عن أحد من أمواته بخصوصه. فلم يُنقل أنه ضحى عن عمه حمزة الذي كان من أعز أقاربه عليه، ولا عن أولاده الذين توفوا في حياته، وهم بناته الثلاث وأبناءه الصغار، ولا عن زوجته خديجة رضي الله عنها وهي من أحب نسائه إليه. كما لم يُذكر عن الصحابة في عصره أنهم ضحوا عن أمواتهم.
ونرى أيضًا أن ما يقوم به بعض الناس من التضحية عن الميت في السنة الأولى لوفاته، في ما يُسمى بـ “أضحية الحفرة”، مع الاعتقاد بعدم جواز مشاركة الثواب مع الآخرين أو التضحية عن أنفسهم وأسرهم في نفس الوقت، هو أمر غير صحيح. لو علم الناس أن التضحية عن أنفسهم وأسرهم تشمل الأحياء والأموات، لما اختاروا أن يقتصروا على التضحية عن الميت فقط دون القيام بذلك عن أنفسهم وأهلهم أيضًا.
هل الأضحية عن الميت من السنة؟
في الختام، يمكننا القول إن الأضحية عن الميت جائزة في الإسلام، وهي ليست من السنن التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بشكل خاص لأمواته، كما لم يُرَ الصحابة يضحون عن أمواتهم بخصوصهم. ومع ذلك، إذا كانت الأضحية عن الميت بنية الخير والإحسان إليه، فإن ذلك يُعدّ من البر والإحسان، بل هو من أنواع الصدقة عنه، والصدقة عن الميت مشروعة في قول أهل السنة والجماعة.
وختامًا، فإن الأضحية عن الميت تعتبر نوعًا من البر والإحسان، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن نفسه وأهله، ما يشمل الأحياء والأموات، لذلك لا حرج في التضحية عن الميت بنية الإحسان إليه، سواء كانت بناءً على وصية أو تطوعًا من الحي. وجاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه سئل سأله أبو بردة بن نيار وقال: “إني ذبحت عن ولدي” فأقره النبي ﷺ ولم يسأله: هل ولده حي أو ميت، فدل ذلك على أنه إذا ذبح عن بعض أمواته وضحى عن بعض أمواته فذلك لا بأس به.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.