تعتبر صلاة الاستخارة من أعظم الوسائل التي يطلب بها المسلم التوفيق من الله سبحانه وتعالى في لحظات الحيرة، وتُعد من السنن التي يعمّ نفعها على المسلم في حياته اليومية. في هذه المقالة، سنبحث في كيفية أداء صلاة الاستخارة على الوجه الصحيح، مع استعراض الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين، مع الالتزام بفهم العلماء السلفيين وأئمة أهل السنة.
صلاة الاستخارة ثبتت في السنة النبوية الصحيحة، حيث كان النبي ﷺ يُعلّم الصحابة طريقة صلاة الاستخارة في كل الأمور. وقد وردت رواية أخرى تؤكد على تعلم الصحابة رضي الله عنهم لهذا الدعاء، كما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “كان رسول الله ﷺ يُعلّمنا الاستخارة كما يُعلّمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك…” [رواه البخاري 1166، ومسلم 1334]. هذه الأحاديث تؤكد مشروعية صلاة الاستخارة، وتبين الطريقة الصحيحة لأدائها، وهو ما فعله الصحابة والتابعون من بعدهم.

ما هي صلاة الاستخارة وكيف نصليها وحكمها؟
الاستخارة في اللغة العربية تعني “طلب الخير”، وهو دعاء يتوجه به المسلم إلى الله تعالى طلبًا للخير في أمر معين، سواء كان هذا الأمر كبيرًا أو صغيرًا. أما في الشرع، فقد عرف العلماء الاستخارة بأنها: “طلب خير الأمرين من الله”، حيث يطلب المسلم من الله أن يختار له الأفضل في أمر من أموره الحياتية التي يُخيَّر فيها. هذا التعريف مأخوذ من الحديث الصحيح الذي رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه. (متفق عليه: البخاري، حديث 1162، ومسلم، حديث 1394).
قال النووي في كتابه “والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد وغيرها من النوافل”.
وقال ابن الزملكاني: إذا صلى الإنسان ركعتي الاستخارة لأمر فليفعل بعدها ما بدا له سواء انشرحت نفسه له أم لا، فإن فيه الخير وإن لم تنشرح له نفسه. قال: وليس في الحديث اشتراط انشراح النفس.
حكم صلاة الاستخارة
صلاة الاستخارة سنة مؤكدة، وهي تشرع في حالة التردد بين أمرين أو عند مواجهة المسلم لموقف يحتاج فيه إلى الاستشارة مع الله سبحانه وتعالى. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ؛ يقولُ: إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ؛ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ: عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ».” الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1162 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه أبو داود (1538)، والترمذي (480)، وابن حبان (887) واللفظ لهم..
لا يعلم الغيب إلا الله، ولا يقدر الخير أو الشر للعبد سوى خالقه سبحانه وتعالى؛ لذا يجب على المؤمن أن يحرص على الاستخارة في جميع أموره، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وذلك طلبًا لخير الله وابتغاءً لما فيه صالحه. فالعبد بحاجة إلى توجيه الله سبحانه وتعالى في كل خطوة يخطوها في حياته، مع الاعتراف بافتقاره إليه واعتبار أن كل شيء بيد الله وحده. وفي هذا السياق، نجد أن الاستخارة هي طريقة للتوجه إلى الله بالدعاء، استشعارًا لضعف العبد وحاجته إلى إرشاده، واستنادًا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في الحديث الشريف، يُبيّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يُعلم الصحابة صلاة الاستخارة. فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ“. وهذه إشارة إلى أهمية الاستخارة في حياة المؤمن، مثل أهمية القراءة في الصلاة. فكما أن القارئ في الصلاة بحاجة إلى القرآن، فإن المؤمن في كل شؤون حياته بحاجة إلى استخارة الله تعالى، سواء كان في أمر يُخيَّر فيه أو في أمر مُباح أو مستحب أو واجب.
الاستخارة هي طلب خير الأمور، عندما يواجه العبد خيارين أو أكثر ولا يعرف أيهما أفضل له. في مثل هذه الحالات، يُستحب أن يصلي المسلم ركعتين بنية الاستخارة، ثم يدعو الله قائلاً: “اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، واسالك من فضلك العظيم”.
- “اللهم إني استخيرك بعلمك” تعني أن العبد يطلب من الله أن يختار له الأفضل، بناءً على علم الله اللامحدود.
- “واستقدرك بقدرتك” تعني أن العبد يسأل الله أن يمكنه من القيام بما اختاره له من خير، أي أن يقدره عليه.
- “واسالك من فضلك العظيم” تعني أن العبد يلجأ إلى فضل الله سبحانه وتعالى، لأن النعم كلها من عنده بغير منٍّ أو مطالبة.
ثم يُخاطب الله تعالى قائلاً: “فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ“. فهذا تذكير من العبد بأنه لا قدرة له إلا بما يقدره الله، وأن علمه محدود بينما علم الله كامل، وأنه سبحانه وتعالى عالم بكل ما لا نعلمه من غيبيات.
بعد ذلك، يذكر الداعي حاجته في الدعاء، ويطلب من الله إذا كان في علمه أن هذا الأمر فيه خير له في دينه ودنياه، أن يُيسِّره له ويبارك فيه. وإذا كان في علم الله أن هذا الأمر فيه ضرر له في دينه ودنياه، فيسأل الله أن يُبعده عنه ويصرفه عنه، ويقنعه بما هو خير له. في الحديث، نجد الحثّ على الاستعانة بصلاة الاستخارة، وتوضيح كيفية أدائها، مع التأكيد على أهمية أن يكون الإنسان دائمًا في توكل على الله في كل أموره، وأن يكون موقنًا أن ما يقدره الله له هو الخير.
ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله: “صلاة الاستخارة سنة مؤكدة، وهي مشروعّة للمسلم في كل أمر يتردد فيه، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، ويجب على المسلم أن يعتمد على الله سبحانه في كل قرار يتخذه.”
و جاء في عون المعبود: .. فلا يستخير إلا على ما يقصد التصميم على فعله، وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به، فتضيع عليه أوقاته.
ما هو الوقت المفضل الذي تُصَلَّى فيه صلاة الاستخارة؟
صلاة الاستخارة تُصَلَّى في أي وقت من الأوقات، ما عدا أوقات النهي التي وردت في الحديث الشريف. من المهم أن يتعرف المسلم على هذه الأوقات لكي يؤدي الصلاة في الوقت المناسب دون أن يقع في مخالفات شرعية. فالاستخارة مشروعة في كل الأوقات ما عدا أوقات الكراهة الثلاثة وهي: بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر، وعند استواء الشمس في وسط السماء.
الأوقات التي يُنهى فيها عن الصلاة
صلاة الاستخارة كغيرها من الصلوات النفلية تُشرع في أي وقت من اليوم، ما عدا أوقات النهي. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قوله: “لا صَلاةَ بعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، ولا بعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغرُبَ.” الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 11702 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1197) مطولاً باختلاف يسير، ومسلم (827) باختلاف يسير.
“لا صلاةَ بعدَ الصبحِ حتى تطلُعَ الشمسُ، ولا بعدَ العصرِ حتى تغرُبَ الشمسُ ؛ إلا بمكةَ، إلا بمكةَ، إلا بمكةَ” الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الألباني | المصدر: هداية الرواة الصفحة أو الرقم: 1009 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره التخريج : أخرجه الدارقطني (1/424) واللفظ له، وأخرجه أحمد (21462)، وابن خزيمة (2748) باختلاف يسير.
حكم صلاة الاستخارة في أوقات النهي
بناءً على ما ذكرنا، صلاة الاستخارة يُفضل أن تُؤدى خارج أوقات النهي. ولا يجوز أن تصلى خلال هذه الفترات المحرمة إلا في حالات خاصة ترتبط بالصلاة ذات السبب.
قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح رياض الصالحين: في غير وقت النهي إلا في أمر يخشى فواته قبل خروج وقت النهي فلا بأس أن يستخير ولو في وقت النهي، أما ما كان فيه الأمر واسعا فلا يجوز أن يستخير وقت النهي فلا يستخير بعد صلاة العصر وكذلك بعد الفجر حتى ترتفع الشمس مقدار رمح وكذلك عند زوالها حتى تزول لا يستخير إلا في أمر قد يفوت عليه.
الصلاة ذات السبب في أوقات النهي
في حالات خاصة، مثل إذا كان الشخص يخشى فوات الأمر الذي استخار من أجله، أو إذا كانت هناك ضرورة ملحة، يجوز له أن يصلي صلاة الاستخارة في أوقات النهي. وهذا وفقًا لما ذكره بعض العلماء، كالإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه، حيث أجاز صلاة النفل في أوقات النهي إذا كان لها سبب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الصلاة التي لها سبب تفعل في أوقات النهي، كتحية المسجد وصلاة الكسوف، وصلاة الاستخارة إن ضاق وقتها.”
قال الشوكاني في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: ثم ليقل. فيه أنه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل.
التوقيت الأفضل لصلاة الاستخارة
بالرغم من أن صلاة الاستخارة جائزة في أي وقت خارج أوقات النهي، الثلث الأخير من الليل يعد من أفضل الأوقات لأداء صلاة الاستخارة. وهذا الوقت من أوقات الاستجابة، حيث ثبت عن النبي ﷺ قوله: “يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1145 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758). وبذلك يكون وقت الثلث الأخير من الليل هو وقت مفضل للدعاء، بما في ذلك صلاة الاستخارة.
إعادة صلاة الاستخارة إذا استمر التردد
في حال استمرار التردد وعدم وضوح النتيجة بعد أداء الاستخارة، لا حرج في تكرار الصلاة أكثر من مرة. يمكن للمسلم أن يعيد صلاة الاستخارة عدة مرات حتى تظهر له إشارة واضحة، سواء من خلال شعور داخلي أو من خلال تيسير الأمر الذي استخار من أجله. هذا ما أكده بعض العلماء من أن تكرار الاستخارة في حال الحاجة إليها أمر جائز ولا مانع منه.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: قال الحنفية والمالكية والشافعية: ينبغي أن يكرر المستخير الاستخارة بالصلاة والدعاء سبع مرات، لما روى ابن السني عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس؛ إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه. ويؤخذ من أقوال الفقهاء أن تكرار الاستخارة يكون عند عدم ظهور شيء للمستخير، فإذا ظهر له ما ينشرح به صدره لم يكن هناك ما يدعو إلى التكرار، وصرح الشافعية بأنه إذا لم يظهر له شيء بعد السابعة استخار أكثر من ذلك، أما الحنابلة فلم نجد لهم رأيا في تكرار الاستخارة في كتبهم التي تحت أيدينا رغم كثرتها.
كيفية أداء صلاة الاستخارة والدعاء الصحيح الوارد فيها
صلاة الاستخارة هي صلاة نفل يتوجه فيها المسلم إلى الله تعالى طالبًا الخيرة في أمره. يُستحب أن يصلي المسلم ركعتين من غير الفريضة ثم يدعو بعدهما بالدعاء الوارد في السنة النبوية.
كيفية أداء صلاة الاستخارة
صلاة الاستخارة تُؤدى على النحو التالي:
- النية: يبدأ المسلم بنية صلاة الاستخارة في قلبه، سواء كان ذلك من أجل اتخاذ قرار في مسألة معينة، مثل الزواج أو السفر أو العمل.
- الركعتين: يُصلي المسلم ركعتين من غير الفريضة. وقد ورد عن النبي ﷺ قوله: “إذا همَّ أحدكم بالأمر فليصلِّ ركعتين من غير الفريضة.” [رواه البخاري 1166، ومسلم 1349].
وهذه الركعتان يجب أن تكونا نفلًا، ولا يشترط فيهما قراءة سورة معينة، لكن الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورة قصيرة مثل سورة الإخلاص أو الكافرون، وفي الركعة الثانية سورة الفاتحة وسورة قصيرة أيضًا. - الدعاء بعد الصلاة: بعد الانتهاء من الصلاة والتسليم، يُدعى الله تعالى بدعاء الاستخارة. وقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قوله:
“كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ؛ يقولُ: إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ؛ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ: عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي – أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ».” الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1162 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه أبو داود (1538)، والترمذي (480)، وابن حبان (887) واللفظ لهم.
ملاحظات على الدعاء:- يجب أن يكون الدعاء بعد الصلاة.
- الدعاء يتضمن التوكل على الله، واستشعار ضعف الإنسان أمام قدرة الله وعلمه.
- المسلم يطلب الخيرة في أمره، ويترك التوجيه بيد الله تعالى.
ماذا يحدث بعد صلاة الاستخارة؟ وكيف يعرف المسلم نتيجتها؟
صلاة الاستخارة عبادة عظيمة تُظهر صدق توكل العبد على ربه، وتسليمه للأمر كله بين يدي الله عز وجل. بعد أن يُصلي المسلم الاستخارة ويدعو الدعاء المأثور، فإنه لا ينتظر رؤيا ولا علامة خارقة، بل يتوكل على الله ويتقدم في الأمر، فإن تيسر وسهّله الله له، فذلك علامة الخيرة. وإن وُجدت عقبات وتعسير، فذلك دليل أن الخير في تركه، والله أعلم.
لا يشترط رؤية رؤيا بعد الاستخارة
لم يرد عن النبي ﷺ في حديث واحد صحيح أنه أخبر أصحابه بأن نتيجة الاستخارة تكون برؤيا في المنام. الاعتماد على الرؤى في معرفة نتائج الاستخارة ليس من السنة، بل قد يكون مدخلاً للوسوسة والخلط.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: “الناس يظنون أن الاستخارة لا بد أن يرى بعدها رؤيا، وهذا خطأ، ليس في الاستخارة رؤيا، وإنما إذا شرح الله صدرك لشيء فافعله، وإذا صرف عنك الصدر فدعه.”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إذا استخار العبد ربه، ورضي بما يختاره الله له، فلا يكون إلا ما فيه الخير، سواء شعر بذلك أم لم يشعر.”
علامات تيسير الأمر بعد الاستخارة
إذا تيسر الأمر بعد الاستخارة، وسارت أسبابه بدون عناء أو عقبة، وكان في القلب راحة وانشراح، فذلك غالبًا من علامات أن الله اختار له الخير في ذلك الأمر. وليس المقصود هنا الشعور العاطفي، بل الانشراح المقرون بالأسباب الواقعية.
جاء في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: واختلف في ماذا يفعل المستخير بعد الاستخارة، فقيل: يفعل ما بدا له، ويختار أي جانب شاء من الفعل، والترك، وإن لم ينشرح صدره لشيء منهما، فإن فيما يفعله يكون خيره، ونفعه، فلا يوفق إلا لجانب الخير، وهذا لأنه ليس في الحديث أن الله ينشئ في قلب المستخير بعد الاستخارة انشراحاً لجانب، أو ميلاً إليه، كما أنه ليس فيه ذكر أن يرى المستخير رؤيا، أو يسمع صوتاً من هاتف، أو يُلقى في روعه شيء، بل ربما لا يجد المستخير في نفسه انشراحاً بعد تكرار الاستخارة، وهذا يقوي أن الأمر ليس موقوفاً على الانشراح.
قبول ما قدره الله بعد الاستخارة
المسلم بعد الاستخارة عليه أن يرضى بما قدره الله له، سواء وافق هواه أو خالفه. لأنه دعا الله عز وجل، واستعان به، وفوّض الأمر إليه، والله لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير، وإن كان في ظاهره غير ذلك. قال تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ“ [البقرة: 216]. فالرضا بقدر الله بعد الاستخارة من تمام التوكل والإيمان.
أخطاء شائعة في صلاة الاستخارة
رغم أن صلاة الاستخارة من أفضل الوسائل التي يمكن للمسلم أن يتخذها عند التردد في أمر ما، إلا أن هناك بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس عند أدائها أو في فهم كيفية استخدامها. سنتناول هذه الأخطاء مع التصحيح لها وفقًا للسنة النبوية.
الاعتقاد بأن الاستخارة تستبدل عن اتخاذ الأسباب
من الأخطاء الشائعة أن بعض الناس يظن أن صلاة الاستخارة تعني التوكل على الله مع ترك الأسباب. وهذا مفهوم خاطئ. الاستخارة لا تعني الجلوس وانتظار الحلول من الله دون بذل الأسباب. فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باتخاذ الأسباب، كما قال في كتابه الكريم: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” [التوبة: 105].
وجمهور علماء المسلمين على أن التوكل الصحيح لا يكون إلا مع الأخذ بالأسباب، فإن التوكل لا يعني ترك السعي والعمل، بل هو مع بذل الجهد والاجتهاد في الأسباب التي يشرعها الله. أما بدون الأخذ بالأسباب، فإن دعوى التوكل تصبح جهلًا بالشرع وفسادًا في العقل، لأن التوكل لا يتناقض مع السعي في الأرض. بل هو الاعتماد على الله مع الاجتهاد في الأسباب التي شرعها لتحقيق المقاصد، قال عمر ـ رضي الله عنه: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة”.
وقد تواتر الأمر بالأخذ بالأسباب في القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أخرج ابن حبان في صحيحه: “أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته وقال: أأعقلها وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اعقلها، وتوكل.”
وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه، أو منعوه.
{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(المائدة:23)، وقد أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالتوكل، فقال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}(النمل: 79). ومن توكل على الله تعالى كفاه وهداه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(الطلاق: 3).
أي أن الإنسان يجب أن يظل يعمل جاهدًا في حياته، ويستخدم الأسباب الطبيعية المتاحة له، ثم يتوكل على الله بعد ذلك.
الاعتماد على رؤيا أو حلم لمعرفة نتيجة الاستخارة
كما ذكرنا سابقًا، ليس من السنة أن يعتمد المسلم على رؤيا أو حلم بعد صلاة الاستخارة. نتيجة الاستخارة ليست في الحلم أو الرؤيا، وإنما فيما يحدث في الواقع. إذا تيسر له الأمر بعد الصلاة، فهذا من علامات أن الله قد اختار له الخير فيه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ليس في الاستخارة رؤيا؛ بل يكون الفأل في التيسير أو التعسير في الواقع.” [مجموع الفتاوى 10/539].
إعادة صلاة الاستخارة دون الحاجة إليها
من الأخطاء أيضًا أن بعض الناس يُكرر صلاة الاستخارة عدة مرات دون الحاجة لذلك، معتقدين أن الاستخارة لن تنجح إلا إذا كرروها. صلاة الاستخارة تُؤدى مرة واحدة، وفي حال عدم وضوح الرؤية أو استمرار التردد، يمكن للمسلم أن يتوكل على الله ويمضي في الأمر، أو يكرر الدعاء بعد الصلاة إذا لزم الأمر. قال ابن عثيمين رحمه الله: “لا حاجة لتكرار صلاة الاستخارة ما دام الشخص قد استخار الله، عليه أن يثق بما يحدث في حياته ويقبل بما يقدره الله له.” [الشرح الممتع 4/153].
إجابات على أسئلة شائعة عن صلاة الاستخارة

ما هي صلاة الاستخارة وكيف نصليها وأهمية صلاة الاستخارة في حياة المسلم
صلاة الاستخارة من أعظم العبادات التي تعزز التوكل على الله والاعتراف بعجز الإنسان في اتخاذ القرارات بمفرده. من خلال الاستخارة، يفوض المسلم أمره إلى الله سبحانه وتعالى، ويطلب الخيرة في حياته، مؤمنًا بأن الله سيختار له ما هو الأفضل في الدنيا والآخرة.
من خلال هذه الصلاة، يضع المسلم ثقته في قدرة الله على اختيار الأنسب له ويعبر عن تسليمه الكامل لقضاء الله وقدره. لذا يجب على المسلم أن لا يترك هذه السنة العظيمة، بل أن يحرص على أداء صلاة الاستخارة في كل أمر مهم في حياته.
إجمالًا، صلاة الاستخارة لا تقتصر على مجرد الصلاة والدعاء، بل هي بمثابة طريق إلى الإيمان والتوكل على الله، وتربية للنفس على الرضا بما يختاره الله، مهما كانت النتائج. وفي النهاية، يجب على المسلم أن يتذكر دائمًا أن خيرة الله أفضل من خيرته.