الصيام عبادة عظيمة فرضها الله على المسلمين لتربية النفس وتهذيبها، وتعويد المؤمنين على الصبر والتقوى والورع. وقد شرع الله الصيام لأمة الإسلام وللأمم السابقة من قبلهم كوسيلة للتقرب إليه وتهذيب النفس، كما جاء في قوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)
توضّح هذه الآية الكريمة أن الصيام لم يكن عبادة حصرية للمسلمين، بل فرضه الله على الأمم السابقة، ليكون نهجًا متبعًا للوصول إلى التقوى والخشية. الصيام في الإسلام يهدف إلى تهذيب النفس وضبط الشهوات، ويعتبر باباً للوصول إلى مراتب الإيمان العليا.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إن الصيام عبادة عظيمة يختص الله بمعرفتها دون غيره، لأنها عبادة بين العبد وربه لا يطلع عليها أحد، وبهذا تكون من أكثر العبادات إخلاصًا. ويقول الإمام مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، في “الموطأ” إن الصيام كفارة للنفس من أدران الدنيا وطريق للتقرب إلى الله عن طريق الامتناع عن الطعام والشراب طيلة النهار، مما ينمي في المؤمن روح التواضع ويزيده خشيةً لله.
وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصيامُ جُنَّةٌ ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن الملقن | المصدر : البدر المنير | الصفحة أو الرقم : 5/706 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151) باختلاف يسير.
يبين هذا الحديث الشريف أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تربية للنفس على ضبط الأخلاق، وتدريب على التحكم في الردود والانفعالات.
وأكد الإمام الشافعي رحمه الله أن الصيام يُظهر قوة الإرادة ويُعظم أجر الصبر، وأنه عبادة بين العبد وربه تظهر فيها روح الإخلاص والتجرد عن الشهوات. ويرى أبو حنيفة النعمان في كتابه “المبسوط” أن الصيام يعلّم النفس قوة التحمل، ويزرع في المؤمن الرغبة في الطاعة والعبادة، ويجعله أكثر صبراً وتحملاً لما يواجهه في الحياة.
كذلك أورد الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه “زاد المعاد” أن الصيام يطهّر القلب ويبعد النفس عن المعاصي، ويعلمها الصبر والمراقبة الذاتية، ويقول رحمه الله إن الصيام يُظهر صدق العبادة، لأن الامتناع عن الطعام والشراب والجماع في الصيام لا يراه إلا الله، وهو دليل على الصدق والإخلاص في العبادة.
من خلال الصيام، يتعلم المسلم الصبر على الطاعة والابتعاد عن المعاصي، ويجد فيه وسيلة للارتقاء الروحي والتقرب من الله.
متى فرض الصيام في الإسلام؟
فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، في شهر شعبان، ليكون أحد أركان الإسلام الخمسة. جاء فرض الصيام على مراحل تدريجية، حيث كان المسلمون في بداية الأمر مخيرين بين الصيام أو الفدية، ثم تحول الأمر إلى فرض واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام. وقد ورد في الآيات القرآنية ذكر ذلك، حيث يقول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)” (البقرة: 183–184)
ثم نزلت الآية التي جعلت الصيام فرضًا على كل قادر دون تخيير، حيث قال تعالى:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة: 185)
يرى العلماء أن تشريع الصيام بهذه الطريقة التدريجية كان للتيسير على المسلمين، خاصة وأن هذه العبادة كانت جديدة عليهم. يقول الإمام ابن كثير في تفسيره “تفسير القرآن العظيم” إن الصيام بدأ أولًا على سبيل التخيير لمن يستطيع الصيام بين الصيام أو الفدية، ثم انتقل إلى الوجوب في السنة الثانية للهجرة. ويضيف أن هذا الانتقال التدريجي كان حكمةً من الله لتعويد الأمة على تحمل مشقة الصيام.
قال الإمام الشافعي في كتابه “الأم” إن تشريع الصيام بهذه الصورة يبين رحمة الله بعباده، لأنه كان يعلم مشقة الصيام عليهم في البداية، فأتاح لهم الخيار ثم جعله فرضًا بعد أن تعودوا عليه. ويؤكد الإمام أبو حنيفة أن في ذلك دلالة واضحة على أن الإسلام دين يراعي الظروف والأحوال وييسر على الناس في عباداتهم.
ويذكر الإمام أحمد بن حنبل، في مسنده، قول ابن عباس رضي الله عنهما: “فُرِضَ الصيام بعد تحويل القبلة بشهرين، فأصبح واجبًا على كل مسلم بالغ عاقل.” ويوضح ابن عباس أن تحويل القبلة كان في السنة الثانية من الهجرة في شهر شعبان، وجاء فرض الصيام بعدها كركن رئيسي من أركان الإسلام.
يعتبر هذا الانتقال التدريجي في فرض الصيام تعبيراً عن عناية الله بعباده وحرصه على تيسير العبادة عليهم، وهو ما يؤكده الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه “زاد المعاد”، حيث يذكر أن التدرج في التشريع من صفات الإسلام التي تميز بينه وبين باقي الشرائع، لأنه شريعة شاملة تراعي القدرة البشرية.
من أول من صام في التاريخ؟
يرى العلماء أن الصيام عبادة قديمة يعود تاريخها إلى الأنبياء والأمم السابقة قبل الإسلام، كوسيلة للتقرب إلى الله والتطهر الروحي. ويشير العديد من المفسرين إلى أن الصيام كعبادة كان معروفاً بين الأنبياء والأمم السابقة، كما ورد في قول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)
توضح هذه الآية أن الصيام لم يكن فرضاً حصرياً على المسلمين، بل فرضه الله تعالى على الأمم السابقة كوسيلة للتقوى. وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” أن الصيام كان عبادة مشتركة بين الأمم السماوية، وأن الله فرضه على من قبلنا من الأمم.
الصيام عند نبي الله آدم عليه السلام
من الروايات التي وصلتنا، يُروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قوله: “كان نبي الله آدم عليه السلام أول من صام من البشر، وكان يصوم الأيام الثلاثة من كل شهر.” ورد هذا الأثر في تفسير الإمام ابن كثير “تفسير القرآن العظيم”، حيث يُذكر أن “الأيام البيض” التي كان آدم عليه السلام يصومها هي الأيام التي يكون فيها القمر مكتملًا، في منتصف الشهر، وهذا يفسرها بعض العلماء كتقليد عبادي قديم.
صيام نبي الله موسى عليه السلام
أما عن موسى عليه السلام، فقد صام قبل أن يكلمه الله عند جبل الطور، وذكر الله تعالى ذلك في قوله:
“وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ” (الأعراف: 142)
وقد فسر الإمام ابن كثير في “تفسير القرآن العظيم” أن هذه الأيام كانت صيامًا يتقرب فيها موسى عليه السلام إلى الله استعدادًا للمناجاة، حيث أن الصيام كان يعتبر طهارة للنفس وإعدادًا للقاء الله. ونقل بعض العلماء أن موسى صام هذه الأيام كنوع من التفرغ الروحي والتأهب للوقوف بين يدي الله.
هل كان الصيام عند نوح عليه السلام؟
فيما يتعلق بصيام نوح عليه السلام، لم ترد روايات صحيحة أو مباشرة من القرآن أو السنة النبوية حول فرضية أو ممارسة الصيام عنده بالتحديد. ومع ذلك، يذكر بعض أهل العلم أن الصيام كان عبادة يمارسها الأنبياء على اختلاف الأزمنة، وقد اعتمد بعض العلماء على القياس والاستنباط بأن الصيام كان معروفًا بين الأنبياء بناءً على الآية المذكورة سابقًا في سورة البقرة والتي تدل على أن الصيام كان مكتوبًا على من قبلنا.قال الإمام القرطبي في تفسيره: “قد دلّ قوله تعالى: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، على أن الصوم كان مشروعًا في الأمم السابقة، ولا يمنع أن يكون نوح وإبراهيم وموسى وعيسى قد صاموا وإن لم يصلنا تفصيل ذلك”.
فرض الصيام على الأنبياء والأمم السابقة
الصيام عبادة قديمة تم فرضها على الأمم السابقة قبل الإسلام، حيث كان يُمارس كوسيلة للتطهر الروحي والتقرب إلى الله تعالى، كما هو الحال في شريعتنا. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)
تفسير هذه الآية جاء من عدة علماء، حيث أكدوا أن الله قد فرض الصيام كعبادة على أمم سابقة كما فرضها على المسلمين، مما يظهر أنه من العبادات التي لها مكانة عظيمة. قال الإمام الطبري في “جامع البيان”: “كُتب الصيام على من سبقنا من الأمم كتشريع إلهي موحد للتقوى والتقرب إلى الله”.
الصيام عند بني إسرائيل
كان الصيام موجودًا أيضًا عند بني إسرائيل (اليهود)، وقد ورد في مصادرهم التاريخية أن الصيام كان ممارسة شائعة تتضمن الامتناع عن الطعام وبعض الشهوات. ويشير القرآن الكريم إلى بعض ممارسات بني إسرائيل، وإن لم يُفصّل فيها بشكل دقيق عن الصيام، إلا أن الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل وتاريخهم تؤكد أنهم كانوا مكلفين بعبادات مشابهة لتلك التي فُرضت على المسلمين، وقد أشارت الكتب التفسيرية إلى بعض ممارساتهم كنوع من التأكيد على وحدة الرسالات السماوية في توجيه الناس إلى طاعة الله.
ذكر الإمام القرطبي في تفسيره أن بني إسرائيل كانوا يصومون يومًا يسمى “يوم الغفران”، وهو اليوم الذي يُعتقد أنهم كانوا يصومونه للتوبة والتقرب إلى الله، مشيراً إلى أن الصيام في الأديان السماوية كان يأتي كتكليف بتعبئة النفس والتقرب إلى الله وتأكيد العبودية له.
الصيام عند النصارى
النصارى أيضًا كانوا يمارسون الصيام، وقد ذُكر في بعض المصادر التاريخية أن الصوم كان جزءاً من تعاليم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، إذ يعتبر النصارى أن المسيح صام أربعين يوماً في البرية. وأكد العديد من المفسرين أن هذه العبادات، وإن لم تصل إلينا بصورة موثقة، كانت موجودة لدى أهل الكتاب كجزء من التوجيه الإلهي، مما يظهر أن الصيام عبادة متجددة في شرائع الرسل.
وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى ذلك بقوله: “الصيام كُتب على الأمم السابقة بأشكال وصيغ مختلفة”، مشيراً إلى أن الاختلافات في كيفية الصيام بين الشرائع لا تلغي حقيقة أنه كان عبادة مشروعة من قبل الله.
كيف فُرض الصيام على المسلمين؟
فرض الله الصيام على المسلمين تدريجياً، مراعاةً للتدرج في التشريع وتيسيرًا على الناس. وقد ورد في القرآن الكريم كيف بدأ فرض الصيام، حيث جاء في البداية كخيار للمسلمين بين الصيام أو الفدية، ثم تحول إلى فرض واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر. يقول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)” (البقرة: 183–184)
بدأ فرض الصيام بهذا الخيار، حيث كان المسلم مخيرًا بين الصيام أو إطعام مسكين عن كل يوم يفطر فيه. لكن لاحقاً نزلت الآية التي جعلت الصيام فرضًا على كل قادر دون تخيير، وهي قول الله تعالى:
“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة: 185)
جاء في تفسير الإمام ابن كثير أن فرض الصيام على مرحلتين كان رحمةً من الله سبحانه وتعالى، حيث أتاح للمسلمين التدرج في قبول هذه العبادة وتحمّلها. وأضاف أن التدرج التشريعي يُظهر عناية الإسلام بتهيئة الناس نفسياً وجسدياً لاستقبال هذه العبادة العظيمة.
تدرج فرض الصيام في السنة النبوية
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها كما ورد في صحيح البخاري: “كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وكانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فيه الكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، ومَن شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ” الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1592 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
وبهذا الحديث يتضح أن الصيام بدأ بصيام يوم عاشوراء كواجب، ثم نُسخ هذا الحكم ليكون صيام رمضان هو الفريضة الأساسية. وأكد الإمام مالك بن أنس في “الموطأ” أن صيام عاشوراء كان نوعًا من التمهيد للمسلمين حتى يعتادوا الصيام قبل فرض صيام رمضان.
وقد أورد ابن عباس رضي الله عنهما، كما روى البيهقي في “السنن الكبرى”، أن فرض الصيام نزل بعد تحويل القبلة بشهرين، مما يؤكد أن الصيام شُرع للمسلمين في السنة الثانية من الهجرة، وبهذا أصبح ركنًا ثابتًا من أركان الإسلام. قال الإمام الشافعي في كتابه “الأم” إن تشريع الصيام كان من رحمات الله بالمسلمين، حيث خُفف في البداية ثم فرض لتمكين المسلمين من التهيؤ له.
الصيام في عهد الصحابة
من الجدير بالذكر أن الصحابة رضي الله عنهم تلقوا فرض الصيام بقوة إيمان وشغف في الطاعة، وكانوا يتنافسون في أداء الصيام كاملاً، ويسعون لتطبيق هذه العبادة بأفضل شكل ممكن. وقد عرف عنهم أنهم كانوا يبتعدون عن الترف في حياتهم اليومية، متفرغين للعبادة ومتجهزين لاغتنام نفحات الله في هذا الشهر الفضيل.
وروي عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله عن الصيام: “إذا صمتم فصونوا أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم عن الكذب والمحارم، ودعوا أذى الخادم، وليكن عليكم وقار الصيام، ولا تجعلوا يوم صومكم ويوم فطركم سواء.” (رواه ابن أبي شيبة في “المصنف”).
هذا الأثر يُظهر مدى حرص الصحابة على الالتزام بآداب الصيام والتقوى، وأنهم كانوا يرون الصيام وسيلة لتحصيل الخشية والخضوع لله، وليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب.
كذلك، ورد عن التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله قوله: “إن الله جعل الصوم مضماراً لعباده ليستبقوا إلى طاعته.” (ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب “الجوع” وابن رجب في “لطائف المعارف”). يشير هذا القول إلى أن الصيام كان يُعتبر في نظر السلف الصالح ساحةً للتنافس في الطاعات والتقرب إلى الله، مما يعكس إدراكهم العميق لفوائد الصيام وأثره في تهذيب النفس وتعليم الصبر.
أما الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فقد قال عن الصيام: “الصيام يُهذب النفس ويعلم الصبر، ويجعل المؤمن أكثر قدرة على تحمل العبادة والطاعة.” ويظهر من هذا القول أن الصيام كان يعتبر تدريباً للنفس والجسد، يهيئ المؤمن ليصبح أكثر استعداداً لتحمل أعباء العبادة والصبر على الطاعات.
وبذلك، يتضح لنا أن الصحابة والسلف الصالح كانوا يتعاملون مع الصيام كوسيلة تقربهم إلى الله، ويشعرون بقيمة هذه العبادة في تعزيز التقوى والإخلاص في قلوبهم، ويبتعدون عن كل ما قد يشغلهم عن العبادة والطاعة في هذا الشهر المبارك.
الحكمة من فرض الصيام
الحكمة من فرض الصيام متعددة وشاملة، حيث تهدف هذه العبادة إلى تزكية النفس وتطهير القلب، وتعليم المؤمن الصبر والتحكم في الشهوات. الله سبحانه وتعالى أوضح في القرآن الكريم الغاية من الصيام بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)
يشير قوله “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” إلى أن الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو وسيلة للتقوى، حيث يُعلم المؤمن كيفية ضبط النفس، ويُظهر إخلاصه لله وحده في هذه العبادة. وقد أكد الإمام ابن كثير في تفسيره أن الصيام يهدف إلى أن يُظهر العبد خشيته لله، ويقول: “الصوم مدرسة يتعلم فيها المسلم الصبر والتقوى والتواضع.”
التقوى وضبط النفس
الصيام يُعلّم المسلم التحكم في شهواته وميوله، فهو عبادة خفية بين العبد وربه لا يطلع عليها أحد. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “إن الصوم عبادة عظيمة بين العبد وربه، يُظهر فيها صدق العبادة والإخلاص”، فالصائم يمتنع عن الحلال من طعام وشراب وغيره ابتغاء مرضاة الله وحده، وهو بذلك يثبت صدق إيمانه وإخلاصه.
وقد جاء في الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: “قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1904 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (١١٥١) باختلاف يسير.
مما يظهر مكانة الصيام كعبادة خاصة، حيث يمتنع فيها العبد عن شهواته تمامًا بصدقٍ وإخلاصٍ لله وحده.
الصيام والتطهير الروحي
ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله في “مجموع الفتاوى” أن الصيام له أثر عظيم في تزكية النفس وتقوية الإرادة، حيث قال: “إن الصوم يقطع شهوة النفس ويطهرها من علائق الدنيا، ويقوي في القلب محبة الله والخوف منه.” ويشير ابن تيمية إلى أن الصيام يمنح القلب صفاءً ونقاءً، ويجعله أقرب إلى الله، حيث يُعدّ الصيام وسيلةً لإبعاد النفس عن الملذات وتقريبها من العبادات.
وفيما يخص أثر الصيام في التكفير عن الذنوب وتطهير النفس، نقل عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: “الصيام جُنّة من النار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الصيامُ جُنَّةٌ ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن الملقن | المصدر : البدر المنير | الصفحة أو الرقم : 5/706 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151) باختلاف يسير.
يُفهم من هذا الحديث أن الصيام يُهذب النفس ويبعدها عن الذنوب، ويجعل الصائم أكثر التزامًا بطاعة الله.
وقد أشار الإمام الشافعي رحمه الله في “الأم” إلى أن الصيام نوعٌ من التكفير عن الذنوب، وأنه وسيلة للاقتراب من الله بتوبة خالصة، حيث يُقال: “الصيام زكاة للروح، ففيه يُحرم العبد على نفسه طيبات الدنيا، لينال رضى الله ويكفر عن خطاياه.” ويتفق علماء أهل السنة على أن الصيام يُهذب الروح ويعود المسلم على التحمل والصبر، ويعينه على الإخلاص.
تعزيز العلاقات الاجتماعية
الصيام لا يقتصر على تهذيب النفس الفردية، بل يمتد ليعزز العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، حيث يشعر الجميع بوحدة الهدف، ويجتمعون على الصيام والإفطار، مما يقوي أواصر الأُخوة والمودة بينهم. في شهر رمضان، يشارك المسلمون بعضهم البعض في مشاعر الجوع والعطش، مما يجعلهم يشعرون بمعاناة الفقراء والمحتاجين، فيتعزز لديهم الدافع لمساعدة الآخرين والقيام بأعمال الخير.
وفي هذا السياق، قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في “لطائف المعارف”: “إن الصيام يزرع في القلب رحمةً بالفقراء والمحتاجين، ويُذكر الغني بنعمة الله عليه، ويدفعه إلى مد يد العون للضعفاء.” ويُظهر الصيام قدرة المسلمين على التضامن والتعاطف، ويُعزز الرغبة في التصدق وبذل الخير.
كما جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه قوله: “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. وَعَنْ عبدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بهذا الإسْنَادِ نَحْوَهُ، وَرَوَى أبو هُرَيْرَةَ، وفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ القُرْآنَ” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3220 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] [وقوله: وروى أبو هريرة وفاطمة… معلقان، وصلهما في موضعين آخرين] التخريج : أخرجه البخاري (3220) واللفظ له، ومسلم (2308). ورواية أبي هريرة أخرجها البخاري موصولة (4998). ورواية فاطمة أخرجها البخاري معلقاً بعد حديث (3220)، وأخرجها موصولاً مسلم (2450) مطولاً من حديث عائشة رضي الله عنها.
فهذا يدل على أن الصيام يزيد من تواصل المسلمين مع بعضهم البعض ويحثهم على الكرم والرحمة، مما يخلق أجواءً من المحبة والأخوة في المجتمع.
قصص من القرآن والسنة عن الصيام
الصيام كعبادة مذكور في العديد من قصص القرآن الكريم، حيث كان للصيام مكانة خاصة في حياة الأنبياء والمرسلين، إذ كانوا يصومون كجزء من عبادتهم وتعبدهم لله سبحانه وتعالى، ودلالةً على تقواهم وإخلاصهم.
قصة صيام مريم عليها السلام
عندما ولدت السيدة مريم عليها السلام ابنها عيسى عليه السلام، وأمرها الله أن تصوم صيامًا عن الكلام لتبرئ نفسها مما قد يُقال عنها من سوء. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا” (مريم: 26)
يفسر الإمام الطبري هذا المشهد في تفسيره “جامع البيان”، حيث يوضح أن الله أمر مريم بتناول الرطب وشرب الماء وأن تطيّب نفسها بمولودها الجديد، مما يزيل عنها الخوف والقلق. وأورد الطبري في تفسير كلمة “وقري عينا” أنها تحمل معنى السرور والفرح، وأن الله طلب منها أن تستقر نفسًا وتقر عينًا بولادة ابنها عيسى عليه السلام.
أما فيما يتعلق بقولها “إني نذرت للرحمن صومًا”، فقد ذكر الطبري عن أهل التأويل، مثل ابن عباس رضي الله عنه، أن المقصود بالصوم هنا هو الصمت عن الكلام، إذ كان الصوم عند بني إسرائيل يشمل الصيام عن الكلام، كما ورد عن بعض المفسرين مثل قتادة. وأورد الإمام الطبري عدة روايات عن أنس بن مالك وابن عباس والضحاك وغيرهم من التابعين، تشير إلى أن مريم عليها السلام نذرت الصمت عن الحديث مع الناس، كوسيلة للتعبير عن عبادتها وصبرها وتأكيدًا على امتثالها لأمر الله في هذا الموقف الصعب، بحيث يكفيها الرد عن طريق ابنها الذي سينطق بمعجزة من الله.
وأضاف الطبري أن الأمر بالصمت كان وسيلة لأن يكتفي قومها بحديث عيسى عليه السلام، الذي أنطقه الله تعالى معجزة وهو في المهد، ليكون ردًا كافيًا على التساؤلات والشبهات المحيطة بولادته، وليكون دليلاً على عظمة الله وقدرته.
صيام يوم عاشوراء
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر محرم، تيمّنًا بصيام موسى عليه السلام. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2004 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (2004) واللفظ له، ومسلم (1130).
في هذا الحديث، يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من شهر محرم، وذلك قبل أن يُفرض صيام شهر رمضان. كان صيام هذا اليوم محبوبًا لفَضله، حيث يُعتبر يومًا ذا مكانة عظيمة بسبب الحدث الذي وقع فيه. وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة وجد اليهود هناك يصومون هذا اليوم، فسألهم عن السبب.
أجاب اليهود بأن هذا اليوم كان ذكرى لنجاة بني إسرائيل من فرعون، حيث أغرق الله تعالى فرعون وجنوده ونجَّى موسى عليه السلام ومن معه من بني إسرائيل. كان هذا اليوم يوم نعمة وخير كبيرين، ولذلك صامه موسى عليه السلام شكرًا لله.
عندما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، أشار إلى أن المسلمين أحق بموسى عليه السلام من اليهود، لأن المسلمين يتبعون الحق الذي جاء به جميع الأنبياء دون تحريف. وقال صلى الله عليه وسلم: “نحن أحق بموسى منكم”، فصامه وأمر أصحابه بصيامه تعظيمًا لهذه النعمة، مشيرًا إلى أن المسلم يتبع سُنة الأنبياء في شكر الله.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لئِنْ بَقِيتُ إلى قابِلٍ، لأَصومَنَّ اليومَ التاسِعَ، قال أبو عليٍّ: رواه أحمدُ بنُ يونس عن ابنِ أبي ذِئبٍ، زادَ فيه: مخافةَ أنْ يفوتَه عاشوراءُ” الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 2/83 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (1134) مختصراً، وابن ماجه (1736) واللفظ له.
وذلك من أجل مخالفة اليهود في صيام عاشوراء فقط، وإضافة يوم آخر في التاسع ليتميّز المسلمون بعبادتهم عن اليهود.
كما أورد مسلم أيضًا في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ، وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ.” الراوي : أبو قتادة | المحدث : السيوطي | المصدر : الجامع الصغير | الصفحة أو الرقم : 5101 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، وأحمد (22650) مطولاً، والترمذي (749، 752) مفرقاً، وابن ماجه (1730، 1738) مفرقاً، وابن حبان (3632) واللفظ له.
يظهر هذا الحديث فضل صيام يوم عاشوراء، حيث يُكفّر الذنوب الصغيرة للسنة السابقة، وهو دليل على رحمة الله بعباده، وفضل الصيام في رفع الدرجات وتكفير السيئات.
ويدل الحديث على مشروعية شكر الله بالصيام لمن أنعم الله عليه بنعمة، سواء بتيسير أمر أو تفريج كرب، وأن هذا الشكر بالعبادة من هدي الأنبياء والصالحين.
فضل صيام يوم عرفة
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صيام يوم عرفة قوله: “صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ، وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ.” الراوي : أبو قتادة | المحدث : السيوطي | المصدر : الجامع الصغير | الصفحة أو الرقم : 5101 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، وأحمد (22650) مطولاً، والترمذي (749، 752) مفرقاً، وابن ماجه (1730، 1738) مفرقاً، وابن حبان (3632) واللفظ له.
وهذا الحديث يُظهر فضل صيام يوم عرفة، الذي يكفّر عن الذنوب ويزيد من حسنات الصائمين.
الصيام كعبادة قبل الإسلام وبعده
الصيام ليس عبادة جديدة أتى بها الإسلام، بل كان موجوداً في الشرائع السابقة، ومارس الأنبياء والأمم السابقة هذه العبادة. كما جاء في الآية التي توضح أن الصيام فُرض على من سبق المسلمين، حيث قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183)
يتضح من هذه الآية أن الصيام كان عبادة شائعة بين الأنبياء وأممهم، وإن اختلفت أشكال الصيام وطرقه، إلا أن الهدف منه واحد، وهو تقوى الله سبحانه وتعالى. ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره أن هذه الآية تدل على أن الصيام كان مشروعا في الأمم السماوية الأخرى، حتى وإن اختلفت هيئاته.
وقد ذكر بعض العلماء، مثل الإمام القرطبي، أن فرض الصيام عبر التاريخ بين الأمم كان هدفه الوصول إلى التقوى والطهارة، سواء كان ذلك الصيام عن الكلام كما فعلت السيدة مريم، أو صيامًا كاملاً عن الطعام والشراب، كما في شريعة الإسلام.
الأسئلة الشائعة عن متى فرض الصيام ومن أول من صام؟
الخاتمة – أهمية الصيام في حياة المسلم
الصيام ركن من أركان الإسلام العظيمة، وله دور كبير في حياة المسلم من الناحية الروحية والاجتماعية والصحية. فالصيام يُعزز الإخلاص لله، ويُربي المسلم على الصبر والتقوى، ويقربه إلى الله من خلال كبح الشهوات والتحكم في النفس. وقد جاء في الحديث النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2014 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (2014)، ومسلم (760).
مما يوضح عظم فضل الصيام وأجره. يقول الإمام ابن القيم الجوزية في كتابه “زاد المعاد”: “الصيام يطهر القلب ويقوي الإرادة، وهو أعظم وسيلة للإنسان ليرتقي بنفسه إلى مراتب الصالحين”، ويشير بذلك إلى أن الصيام ليس مجرد عبادة، بل هو وسيلة للتغيير والتحول الداخلي.
إن الصيام يُعلم المسلم الصبر والتحكم، ويجعله يعيش في وحدة مع إخوانه المسلمين في طاعة الله، حيث يصوم الجميع ويشعرون بمعاناة الفقراء والمحتاجين. كما أن الصيام يعزز من الترابط الاجتماعي، ويحث المسلم على البذل والعطاء والتقرب إلى الله بكل ما يستطيع.
والله أعلم