هل يجوز الاحتفال بعيد المولد النبوي؟ الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينًا، القائل في كتابه الكريم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3]. والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله، الذي قال الله عنه: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21]. 

سؤال يتكرر كل عام مع دخول شهر ربيع الأول، حيث ينقسم الناس بين من يرى أن المولد تعبيرعن محبة النبي ﷺ، ومن يرى أنه بدعة محدثة لا أصل لها في الدين. ولأهمية هذا الموضوع وانتشاره، لا بد من الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة والأئمة والعلماء لمعرفة الحكم الشرعي فيه.

المسلم مأمور بأن يعبد الله بما شرع، لا بما يستحسن الناس أو يبتدعونه. قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى: 21]. ولهذا جاءت نصوص صريحة عن النبي ﷺ في التحذير من البدع، فقال في الحديث المتفق عليه: “مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ” الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2697 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

وكان ﷺ يكرر في خطبه: «أما بعدُ فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ, وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ, وشرًّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ [ورد بزيادةٍ] وكلَّ ضلالةٍ في النارِ» الراوي : [جابر بن عبدالله] | المحدث : ابن باز | المصدر : مجموع فتاوى ابن باز | الصفحة أو الرقم : 57/18 | التخريج : أخرجه مسلم (867) باختلاف يسير.

ومن هنا يتبين أن كل عبادة أو شعيرة لم يأت بها النبي ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه فهي مردودة. ولو كان الاحتفال بالمولد مشروعًا لسبقنا إليه خير القرون، الصحابة والتابعون وتابعوهم، وهم أشد الناس حبًا لرسول الله ﷺ وتعظيمًا له.

إذن، فالسؤال الجوهري: هل الاحتفال بالمولد النبوي تعبير شرعي عن المحبة، أم أنه بدعة محدثة؟ هذا ما ستعالجه هذه المقالة بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة والعلماء، مع بيان الموقف الصحيح والبدائل الشرعية لإظهار محبة النبي ﷺ.

جدول المحتويات

تعريف المولد النبوي وحقيقته

المولد النبوي هو احتفال يقام عادة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام، يذكر فيه الناس مولد النبي ﷺ، وتلقى فيه الخطب والأناشيد، وقد تقام فيه تجمعات وولائم يظن أصحابها أنها من باب تعظيم النبي ﷺ وإظهار محبته.

لكن عند البحث في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي نجد أن النبي ﷺ نفسه لم يحتفل بيوم مولده، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من الصحابة الكرام أو التابعين أو الأئمة الأربعة أو كبار المحدثين كالبخاري ومسلم وغيرهم. ولو كان هذا العمل خيرًا لسبقونا إليه؛ إذ كانوا أحرص الناس على الخير وأشدهم حبًا للنبي ﷺ.

أصل المولد النبوي في التاريخ

المؤرخون أجمعوا على أن أول من أحدث المولد النبوي هم العبيديون (الذين يُسمَّون بالفاطميين زورًا) في القرن الرابع الهجري. فقد ذكر المقريزي (ت 845هـ) في كتابه الخطط والآثار أنهم أحدثوا احتفالات لعدد من الموالد، منها مولد النبي ﷺ ومولد علي وفاطمة والحسن والحسين وغيرهم، حتى بلغ عددها سبعة وعشرين احتفالًا، وظلت قائمة حتى زالت دولتهم سنة 567هـ على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.

ثم انتقلت هذه البدعة إلى بعض الملوك بعد ذلك، مثل المظفر صاحب إربل (ت 630هـ)، الذي كان يقيم احتفالًا في ربيع الأول، وقد نقل ابن كثير في البداية والنهاية خبر ذلك، لكن لم يقل ابن كثير إنه أول من أحدث المولد، وإنما ذكر مجرد فعله.

أقوال العلماء في أصل المولد

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو غيرها… فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها» (اقتضاء الصراط المستقيم 2/619).
  • وقال العلامة تاج الدين الفاكهاني المالكي (ت 734هـ): «لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، بل هو بدعة أحدثها البطالون…» (المورد في عمل المولد ص 20).
  • وقال ابن الحاج الفاسي (ت 737هـ): «حتى لو خلا المولد من المنكرات، وكان مجرد طعام بنية المولد، فهو بدعة بنية فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليست من عمل السلف» (المدخل 2/312).

وبهذا يتضح أن المولد النبوي لم يكن معروفًا في القرون المفضلة (الصحابة والتابعين وتابعيهم)، وإنما أحدثه من بعدهم، وأول من ابتدعه هم الرافضة الفاطميون، ثم سار على نهجهم بعض ملوك الدنيا طلبًا للجاه والسمعة.

هل الاحتفال بالمولد من محبة النبي ﷺ؟

كثير من الناس يظنون أن الاحتفال بالمولد النبوي تعبير عن محبة رسول الله ﷺ، وأن تركه علامة على الجفاء وقلة التقدير. لكن المحبة الشرعية للنبي ﷺ لا تكون بالابتداع، وإنما بالاتباع.

قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران: 31]. فالآية واضحة في أن علامة المحبة هي الاتباع، فمن أراد محبة الله ورسوله فطريقه الالتزام بالهدي النبوي، لا اختراع عبادات لم يشرعها الله ولا رسوله.

وقال النبي ﷺ:«مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ» الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2697 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

وقال أيضًا: «أتينا العرباضَ بنِ ساريةَ، وهو ممن نزل فيه ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه فسلَّمنا، وقلنا : أتيناك ؛ زائرين، وعائدين، ومقتبسِين . فقال العرباضُ : صلى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوبُ . فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! كأن هذه موعظةُ مُودِّعٍ، فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ» الراوي : عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 4607 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه أبو داود (4607) واللفظ له، وأحمد (17185).

إذن، لو كان الاحتفال بالمولد من علامات المحبة، لسبقنا إليه النبي ﷺ وصحابته، فهم أشد الناس حبًا له وتعظيمًا لقدره.

قال الإمام مالك رحمه الله: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا ﷺ خان الرسالة… فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» (الاعتصام للشاطبي 1/49). وقال ابن تيمية رحمه الله: «إنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا» (اقتضاء الصراط المستقيم). وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «الاحتفال بالمولد بدعة منكرة، لم يفعله النبي ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون، وإنما المحبة الحقيقية باتباعه ﷺ والإكثار من الصلاة والسلام عليه» (مجموع الفتاوى 1/183).

المحبة الصادقة للنبي ﷺ: طاعة واتّباع لا بدع وابتداع

محبة النبي ﷺ عبادة عظيمة، وهي شرط من شروط الإيمان؛ فقد قال النبي ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ» الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 15 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه أحمد (12814)، والدارمي (2783)، وأبو يعلى (3049) واللفظ لهم. لكن هذه المحبة يجب أن تُترجم إلى اتباع لسنته وطاعة لأوامره، لا إلى بدع ومحدثات لم يأتِ بها. ومن الوسائل الشرعية الصحيحة لإظهار المحبة:

  1. اتباع سنته ﷺ في الأقوال والأفعال، والتمسك بما جاء به.
  2. الإكثار من الصلاة والسلام عليه، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
  3. تعلم سيرته العطرة وتدريسها للأبناء والطلاب في البيوت والمدارس والمساجد.
  4. نشر هديه وأخلاقه في المجتمع، وإحياء سننه التي هجرت.
  5. الوقوف عند حدود الشرع والحذر من الغلو فيه ﷺ، فقد قال: «لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3445 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد البخاري على مسلم.

الأعياد المشروعة في الإسلام

الأعياد في الإسلام عبادات وشعائر عظيمة، وهي توقيفية لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان؛ لأنها من الدين الذي أكمله الله لعباده. قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].

الأعياد الثلاثة في الإسلام

  1. عيد الفطر: يأتي بعد إتمام صيام شهر رمضان.
  2. عيد الأضحى: يأتي بعد أداء مناسك الحج.
  3. يوم الجمعة: وهو عيد الأسبوع.

قال النبي ﷺ: «عن أنسٍ قالَ : قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ ما هذانِ اليومانِ قالوا كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ» الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 1134 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه أبو داود (1134) بلفظه، والنسائي (1556)، وأحمد (13622) كلاهما باختلاف يسير. إذن فقد حصر النبي ﷺ الأعياد في هذه الثلاثة، ولم يشرع للمسلمين عيدًا غيرها.

بطلان إضافة “عيد المولد”

إضافة عيد جديد باسم “المولد النبوي” معناه اتهام للشريعة بالنقص، وكأنها لم تكتمل إلا بعد أن أحدث الناس هذا العيد. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:«العيد شريعة من الشرائع، فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه» (اقتضاء الصراط المستقيم). وقال الإمام ابن باز رحمه الله:«الأعياد في الإسلام معروفة محددة، وليس منها عيد المولد، فهو بدعة منكرة لا أصل لها» (مجموع الفتاوى 1/183).

التشبه بأهل الكتاب

ومن المخاطر الكبرى في إحداث عيد جديد، أنه يوافق طريقة اليهود والنصارى الذين أكثروا من الأعياد والاحتفالات الدينية. قال النبي ﷺ محذرًا: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ: فَمَنْ؟» الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3456 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (2669) باختلاف يسير. ولهذا، فإن تخصيص يوم المولد كعيد متكرر كل عام هو بدعة محدثة وتشبه بأهل الكتاب، ولا يجوز للمسلمين إقراره أو المشاركة فيه.

هل يجوز الاحتفال بعيد المولد النبوي؟

بعد استعراض الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء، يتضح أن الاحتفال بعيد المولد النبوي ليس مشروعًا، بل هو بدعة محدثة، لم يفعله النبي ﷺ ولا صحابته ولا أحد من القرون المفضلة.

الدين قد كَمُلَ بنص القرآن، ومحبة النبي ﷺ لا تكون بالابتداع، وإنما بالاتباع والطاعة ونشر سنته. وكل ما أحدثه الناس من أعياد لم يشرعها الله فهي مردودة عليهم، لقوله ﷺ: “مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ” الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2697 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

وعليه، فالحكم الشرعي هو عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي، بل الواجب الحذر منه والتمسك بما شرعه الله ورسوله ﷺ.

  • قال الإمام مالك رحمه الله : «فما لم يكن يومئذ ديناً ، لا يكون اليوم ديناً»
  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «وكذلك ما يُحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له – والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع – من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً – مع اختلاف الناس في مولده – : فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً ، أو راجحاً : لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منَّا ؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منَّا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كمال محبته وتعظيمه : في متابعته ، وطاعته ، واتباع أمره ، وإحياء سنَّته ، باطناً ، وظاهراً ، ونشر ما بُعث به ، والجهاد على ذلك ، بالقلب ، واليد ، واللسان ؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين ، من المهاجرين ، والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان» اقتضاء الصراط ( ص 294 ، 295 ).
  • وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من البدع المحدثة التي لم يفعلها أحد من السلف الصالح، وقد نص على هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتبه. ومن ذلك ما قرره في مجموع الفتاوى 25/298 حيث قال: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها.»
  • قال ابن باز رحمه الله: «لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول ﷺ ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول ﷺ لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبًا لرسول الله ﷺ ومتابعة لشرعه ممن بعدهم»
  • قال الألباني رحمه الله: «المولد بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع»
  • قال ابن عثيمين رحمه الله: «كل بدعة في الدين فهي ضلالة، ولا شك أن الاحتفال بالمولد من البدع»

مخاطر الاحتفال بالمولد

  1. الاعتقاد بنقص الدين: وكأن الإسلام لم يكتمل إلا بإضافة عيد جديد.
  2. التشبه باليهود والنصارى: الذين أكثروا الأعياد والمواسم.
  3. فتح باب الغلو: وقد يقع فيه شرك صريح، مثل الاستغاثة بالنبي ﷺ وطلب المدد منه.
  4. المنكرات العملية: كالاختلاط، والغناء، والمعازف، بل قد تصل إلى الفواحش وشرب الخمور في بعض البلدان.
  5. الانشغال عن السنة: إذ ترى بعض الناس يحرص على حضور المولد ويترك الجمع والجماعات.

الرد على شبهات المُجيزين للاحتفال بالمولد

في هذا الباب لن نخوض في سرد المنكرات التي تقع في بعض احتفالات المولد — مع أنها موجودة ومتفاوتة من بلد لآخر وواضحة لكل منصف — لأن المقصود هنا شيء أعمق من تلك المخالفات العَرَضية. محور الكلام سيكون الشبهات التي يُقيمها المجيزون للاحتفال بالمولد، وطريقة الرد عليها واحدةً واحدة.

وحتى لو سلّمنا — على سبيل الفرض الجدلي — أن تلك المجالس خالية تمامًا من كل منكرٍ ومعصية، فإن إضافة شعائر وهيئاتٍ تعبدية لم يأذن بها الله، ونَسبتها إلى الدين عبر تأويلاتٍ ودعاوى وشُبه، أخطرُ من وقوع بعض المنكرات أثناءها؛ لأن ذلك يمسّ أصل العبادة ويُغيِّر ما أنزل الله على نبيّه محمد ﷺ، فيُدخِل في الدين ما ليس منه، ويجعل الناس يتقربون إلى الله بما لم يشرعه.

الشبهة الأولى: الاستدلال بقوله تعالى ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾

من أشهر ما يستدل به المجيزون للاحتفال بالمولد قول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. ويقولون: إن أعظم فضل ورحمة هو مولد النبي ﷺ، وإن الاحتفال به تعبير عن هذا الفرح الذي أمر الله به.

الرد على هذه الشبهة

هذا القول لم يقل به أحد من أئمة الإسلام ولا المفسرين، بل هو تفسير مُحدَث لا أصل له. فالآيات قبلها أوضحت المراد: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 57-58]. فالفضل هو القرآن الكريم، والرحمة هي الرسالة وما جاء به النبي ﷺ من هداية وتشريع. ولم يقل أحد من المفسرين إن الآية تشير إلى يوم ولادته ﷺ.

وحتى لو سلّمنا أن مولده نعمة، فهل كل نعمة يجعل المسلمون يوم حدوثها عيدًا يتكرر؟! نعمة البعثة نعمة، ونعمة الهجرة نعمة، ونعمة نزول الوحي نعمة، ولم يشرع لنا الله ولا رسوله أن نتخذها أعيادًا. بل الرحمة المقصودة قد بينها الله في موضع آخر: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. وقال النبي ﷺ: «قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ علَى المُشْرِكِينَ قالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً» الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2599 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : أخرجه مسلم (2599).

استشكال آخر

لو كان المعنى أن الآية نزلت في مولده ﷺ كما يزعمون، فكيف غاب هذا المعنى عن صاحب الرسالة نفسه؟! فلم يحتفل النبي ﷺ بيوم مولده، ولم يبلّغ الأمة أن هذه الآية دليل على مشروعية ذلك.

الاستدلال بآية أخرى

ويستشهد بعضهم بقوله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].

ويقولون: إن الاحتفال بالمولد من تعزيره وتوقيره ﷺ. لكن هذا من التلبيس على العامة؛ فالآية لا تدل على هذا بوجه، بل التعزير والتوقير المشروعان هما نصرته باتباعه والالتزام بسنته، لا بابتداع احتفالات لم يفعلها ولم يأذن بها. ولو كان كل ما ظنه الناس تعظيمًا للنبي ﷺ مشروعًا، لجاز تعظيمه بالطبول والمعازف، أو بالغلو كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام، وقد نهى النبي ﷺ صراحة عن هذا فقال: « لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.» الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3445 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد البخاري على مسلم.

الشبهة الثانية: حديث صوم يوم الاثنين

يستدل بعضهم بما رواه مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي ﷺ سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ، قالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ.» الراوي : أبو قتادة الحارث بن ربعي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1162 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد مسلم على البخاري.

ويقولون: هذا دليل على أن النبي ﷺ احتفل بيوم مولده بصيامه، فكيف لا نحتفل نحن بالاجتماع والمدائح والأنشاد؟

الرد على هذه الشبهة

هذا فهمٌ غير صحيح، ولم يقل به أحد من شُرّاح الحديث المتقدمين. فالنووي — وهو أشهرُ مَن شرَح أحاديثَ صحيحِ مُسلِمٍ — لم يستدل بهذا الحديث على مشروعية المولد أبدًا. الحديث يدل على أن النبي ﷺ شكر الله على نعمة مولده وبعثته بالصوم، وهي عبادة مشروعة، وجعلها سُنة باقية في الأمة: صيام يوم الاثنين من كل أسبوع. فالشكر يكون بالطريقة التي فعلها النبي ﷺ، لا باختراع صورة جديدة لم يفعلها.

وجه القياس الصحيح

هذا المعنى يطابق ما ورد في صيام يوم عاشوراء؛ إذ صامه النبي ﷺ شكرًا لله على نجاة موسى عليه السلام من فرعون. فالشكر لله يكون بالعبادة المشروعة (الصيام)، لا بإقامة عيد أو احتفال سنوي.

الخلاصة

إذن فشكر الله على مولد النبي ﷺ يكون بصيام يوم الاثنين كما علّمنا النبي ﷺ، لا بالاجتماعات الخاصة ولا بالقصائد والأنشاد ولا بالمواسم المحدثة التي لم يأتِ بها الشرع.

الشبهة الثالثة: الاستدلال بحديث فضل يوم الجمعة

يستدل بعض المجوِّزين للمولد بحديث أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأكْثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ قالَ قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ – يقولونَ بليتَ – فقالَ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ علَى الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ» الراوي : أوس بن أبي أوس وقيل أوس بن أوس والد عمرو | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : 1047.

ويقولون: إذا كان قد شُرع لنا الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ يوم خُلق فيه أبونا آدم، فكيف لا يُشرع لنا أن نخصّ يوم مولده هو ﷺ بمزيد من الصلاة عليه والاحتفال به؟!

الرد على هذه الشبهة

هذا الاستدلال غير صحيح لعدة أسباب:

  1. النص لا يذكر المولد: الحديث بيّن فضل يوم الجمعة لأسباب متعددة: فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة والصعقة، وفي رواية مسلم: «خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ». فليس الفضل مقصورًا على خلق آدم فقط. الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 854 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد مسلم على البخاري.
  2. عدم وجود تخصيص نبوي: لو كان يوم الاثنين (يوم مولده ﷺ) يُخصّص بالإكثار من الصلاة عليه أو بالاحتفال، لسبق الصحابة إلى ذلك، لكنهم لم يفعلوا شيئًا من هذا، ولا ورد عن أحدٍ من السلف.
  3. الخلط بين المشروع والممنوع: الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ مشروع في كل وقت، ويتأكد في يوم الجمعة بالنص. أما أن يُجعل يوم مولده عيدًا متكررًا أو مناسبة تعبدية خاصة فهذا استدراك على التشريع، وكأن النبي ﷺ نسي أن يبيّن ذلك لأمته. وهذا لا يمكن.

الخلاصة

المشروع هو الإكثار من الصلاة عليه ﷺ كل جمعة كما أمر، لا أن نُنشئ احتفالًا سنويًا في يوم مولده المزعوم. فالقياس بين الأمرين باطل، لأن النبي ﷺ نفسه لم يشرعه ولا عمل به أصحابه.

الشبهة الرابعة: القول بأن المولد لا يتضمن إلا الصلاة عليه ﷺ ومدحه

يقول بعضهم: إن المولد ليس فيه إلا قراءة القرآن، والصلاة على النبي ﷺ، وذكر شمائله ومدحه، فكيف يُنكَر علينا ذلك؟ أليست هذه أمورًا مشروعة في الأصل؟

الرد على هذه الشبهة

هذا الكلام فيه مغالطة واضحة:

  • أصل النزاع ليس في الصلاة على النبي ﷺ ولا في مدحه، فهذان مشروعان في كل وقت.
  • إنما الإشكال في تخصيص يوم بعينه، والاجتماع لأجل ذلك على هيئة معينة، وإعادته كل عام. هذا لم يفعله النبي ﷺ ولا أصحابه، ولا يجوز أن يُجعل عبادة بمجرد اجتهاد الناس.

الواقع العملي للمولد

ثم إن الواقع يشهد أن المولد غالبًا لا يقتصر على الصلاة عليه ﷺ، بل يشتمل على:

  • قصائد فيها غلو يصل إلى الشرك.
  • استعمال المعازف والطبول.
  • اختلاط الرجال بالنساء.
  • بدع أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

فحتى من يزعم أن مجلسه يخلو من هذه المنكرات، يبقى الأصل نفسه بدعة محدثة: أي إنشاء عبادة جديدة لم يشرعها الله.

الخلاصة

المشروع هو الصلاة على النبي ﷺ ومدحه المشروع في كل وقت، من غير تقييد بزمان أو هيئة مبتدعة. أما الاجتماع السنوي المسمى بالمولد، فهو المردود والمنكر.

الشبهة الخامسة: قصة الجارية التي نذرت أن تضرب بالدف عند قدوم النبي ﷺ

يستدل بعضهم بما ورد أن جارية نذرت أن تضرب بالدف وتغني فرحًا إذا عاد النبي ﷺ سالمًا من إحدى الغزوات، فلما عاد أقرها النبي ﷺ: «خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في بعضِ مَغازيهِ ، فلمَّا انصرفَ جاءت جاريةٌ سوداءُ ، فقالت : يا رسولَ اللَّهِ إنِّي كُنتُ نذرتُ إن ردَّكَ اللَّهُ سالمًا أن أضربَ بينَ يديكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى ، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : إن كنتِ نذَرتِ فاضربي وإلَّا فلا . فجعَلت تضرِبُ ، فدخلَ أبو بَكْرٍ وَهيَ تضربُ ، ثمَّ دخلَ عليٌّ وَهيَ تضربُ ، ثمَّ دخلَ عُثمانُ وَهيَ تضربُ ، ثمَّ دخلَ عمرُ فألقتِ الدُّفَّ تحتَ استِها ، ثمَّ قعَدت علَيهِ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : إنَّ الشَّيطانَ ليخافُ منكَ يا عمرُ ، إنِّي كنتُ جالسًا وَهيَ تضربُ فدخلَ أبو بَكْرٍ وَهيَ تضربُ ، ثمَّ دخلَ عليٌّ وَهيَ تضربُ ، ثمَّ دخلَ عثمانُ وَهيَ تضربُ ، فلمَّا دخلتَ أنتَ يا عمرُ ألقتِ الدُّفَّ» الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي | الصفحة أو الرقم : 3690 | التخريج : أخرجه الترمذي (3690) واللفظ له، وأحمد (23061) مختصراً.

فيقولون: هذا نوع احتفال أقره النبي ﷺ، فكيف يُمنع الاحتفال بمولده؟

الرد على هذه الشبهة

  • هذه واقعة فردية مرتبطة بنذر شخصي، ولم يجعلها النبي ﷺ موسمًا عامًا ولا أمر بتكرارها.
  • لم يُنقل عن تلك الجارية ولا غيرها أنها عادت لتكرار الفعل في كل عام.
  • القياس بين هذا الموقف العارض وبين إنشاء احتفال سنوي متكرر يسمى المولد قياس مع الفارق.

الأعجب أن الذين يستدلون بها يغفلون أن النبي ﷺ عاش 23 سنة بعد البعثة ولم يحتفل بمولده مرة واحدة، ولا فعل ذلك الصحابة.

الشبهة السادسة: العقيقة عن نفسه ﷺ، وفرح أبي لهب بمولده

أولًا: العقيقة عن نفسه ﷺ

يَستدِلُّون على جوازِ الاحتفالِ بيومِ مولدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم بما رواه البيهقيُّ في سُننه، عن أنسٍ رضِيَ الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عقَّ عن نفْسِه بعدَ النُّبوَّة، ويقولون: هذا رسولُ الله قد عقَّ عن نفْسِه فرَحًا بمولدِه، مع أنَّ أبا طالبٍ قد عقَّ عنه يومَ وِلادتِه، وفي ذلك دَليلٌ على جوازِ تَكرارِ الفرحِ مَرَّةً بعدَ مرَّةٍ.

  • الجواب: هذا الحديث ضعيف بل قال البيهقي: “حديثٌ مُنكَر”، وقال النووي: (676هـ) في ((المجموع)) (8/431): (باطلٌ)، وقال ابن حجرالعسقلانيُّ (852هـ) في ((الفتح)) (9/509): (لا يَثبُت) فسَقطَ الاحتجاجُ به أصلًا.
  • وعلى فرض صحته، فالعقيقة عبادة معروفة مشروعة في الإسلام، وليست احتفالًا دوريًا يتكرر كل سنة. فكيف يُقاس عليها المولد؟

ثانيًا: فرح أبي لهب بمولده ﷺ

يقولون: أبو لهب لما بُشِّر بمولده ﷺ أعتق جاريته ثويبة، ويُخفف عنه العذاب يوم الاثنين جزاءً لذلك، فإذا كان الكافر خفف عنه لفرحه، فالمسلم الموحد أولى.

  • الجواب: هذا استدلال باطل، لأنه:
    • فعل كافرٍ في الجاهلية ليس تشريعًا.
    • لم يفرح لأنه نبي مرسل، بل لأنه وُلد له ابن أخ.
    • وهل يُعقل أن نستدل بفعل من نزل فيه: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد: 1] على عبادة مشروعة؟!

موضع النزاع ليس في محبة النبي ﷺ والفرح به، فهذا ثابت ومطلوب، وإنما النزاع في صورة التعبير عن ذلك: هل هي بما شرعه الله أم بما أحدثه الناس؟

الشبهة السابعة: القول بأن المولد “بدعة حسنة”

بعضهم يعترف بأن المولد بدعة، لكن يقول: هو بدعة حسنة. ويستشهد بكلام بعض المتأخرين.

الرد على هذه الشبهة

  1. النص النبوي الصريح: النبي ﷺ قال: (وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 1353 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه النسائي في ((المجتبى)) (3/ 188)، وأحمد (3/ 310) باختلاف يسير. وهذه صيغة عامة تشمل جميع البدع في الدين، ولا استثناء فيها.
  2. كلام الأئمة المحققين:
    • إمامُ دارِ الهجرة مالكُ بنُ أنسٍ (179هـ): مَن ابتدَعَ في الإسلامِ بِدعةً يراها حسَنةً، فقد زعَم أنَّ محمدًا خان الرِّسالةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}؛ فما لم يكُن يومئذٍ دِينًا، فلا يكونُ اليومَ دِينًا) ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (6/ 58)، و((الاعتصام)) للشاطبي (1/62).بتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة».
    • قال الإمامُ الشافعيُّ (204هـ)؛ فقَد نقَل عنْه الجوينيُّ (478هـ) في ((نهاية المطلب في دراية المذهب)) (18/ 473)، والغزاليُّ (505هـ) في ((المستصفى)) (1/171) قوله: (مَن اسْتَحسَن فقد شَرَعَ)، ولا يُتصَوَّر ممَّن يرَى أنَّ الاستحسانَ تَشريعٌ لم يَأذَنْ به اللهُ، أنْ يقولَ بتَحسينِ بعضِ البِدعِ.
    • الإمامُ أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّام، وهو مِن أعيانِ القرنِ الثالثِ، وقد تُوفِّي عام 224هـ؛ نقَل عنه ابنُ بَطَّالٍ في شرْحه للبُخاريِّ (8/588) قولَه: (البِدعُ والأهواءُ كلُّها نوعٌ واحدٌ في الضلال).
    • أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ موسى الشاطبيُّ (790هـ) ، العالِمُ الأُصوليُّ المالكيُّ؛ قال في ((فتاويه)) (ص180): (إنَّ قولَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ) مَحمولٌ عند العُلماءِ على عُمومِه، لا يُستثنَى منه شيءٌ البتَّةَ، وليس فيها ما هو حَسَنٌ أصلًا). وقال في كتابه ((الاعتصام)) (1/246): (هذا التقسيمُ أمرٌ مُخترَعٌ، لا يدلُّ عليه دليلٌ شرعيٌّ).
  3. الاستدلال بحديث “من سن سنة حسنة”
    هذا الحديث سببه أن رجلًا من الأنصار تصدق فتبعه الناس، فقال النبي ﷺ: «مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنَةً فعَمِلَ بها مَن بَعدَه، كان له أجْرُها ومِثلُ أجْرِ مَن عمِلَ بها مِن غيرِ أن يَنتقِصَ مِن أجورِهم شيءٌ». رواه مسلمٌ عن جَريرٍ رضِيَ اللهُ عنه.
    • المقصود: إحياء سنة مشروعة كانت مهملة، لا اختراع عبادة جديدة.
    • والدليل أنه قال في المقابل: «ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها».

وهذا منهم تَحريفٌ للحديثِ عن معناه الصَّحيحِ، وجَهلٌ أو تجاهُلٌ لسببِ وُرودِه، وهو (أنَّ قومًا أتَوُا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الأعرابِ مُجتابِي النِّمَارِ (أي: لابِسي الصُّوفِ المُخرَّقِ مِن فَقرِهم)، فحَثَّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الناسَ على الصَّدقةِ، فأبْطَؤوا حتى رُئِي ذلك في وجْهِه، فجاء رجُلٌ من الأنصارِ بقِطعةِ تِبْرٍ فطرَحَها، فتتابَع الناسُ حتَّى عُرِفَ ذلك في وجْهِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: مَن سَنَّ سُنَّةً حسَنةً…)؛ فالمقصودُ بالحديثِ: مَن أحْيا سُنَّةً مِن سُننِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم، كما عندَ ابنِ ماجهْ وغيرِه من حَديثِ عَمرِو بنِ عَوفٍ المُزَنيِّ رضِيَ الله عنه مرفوعًا: (مَن أحيا سُنَّةً مِن سُنَّتي قد أُميتتْ بَعدي كان له من الأجرِ مِثلُ مَن عمِلَ بها من غيرِ أنْ يَنقُصَ من أجورِهم شيئًا، ومَن ابتَدعَ بِدعةً لا يَرضاها اللهُ ورسولُه، فإنَّ عليه مِثلَ إثمِ مَن عمِلَ بها من الناسِ، لا يَنقُصُ مِن آثامِ الناسِ شيئًا)، علَّق الشاطبيُّ بقولِه: (فدلَّ على أنَّ السُّنَّةَ هاهنا مِثلُ ما فعَل ذلك الصحابيُّ، وهو العملُ بما ثبَت كونُه سُنَّةً- يعني الصَّدقةَ) وليس المولدَ!

وإنَّ الذي قال: (مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً …) هو القائلُ: (عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ مِن بَعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ مُحْدَثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ) وهو القائِل: (مَن أحْدَثَ في أمْرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ) وكلُّها أحادِيثُ صحِيحة والأخْذُ بها جميعًا والتوفِيقُ بينها هو المتعيِّن.

الخلاصة

لا وجود لشيء اسمه “بدعة حسنة” في العبادات. كل ما لم يفعله النبي ﷺ مع قيام المقتضي وانتفاء المانع، فهو مردود. أما ما فعله وأقره فليس بدعة أصلًا بل سنة تقريرية.

الشبهة الثامنة: استدلالهم بما فعله بعض الصحابة من أمور جديدة

المثال الأول: الذكر الذي قاله الصحابي بعد الرفع من الركوع

جاء في صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه: “كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، قالَ رَجُلٌ ورَاءَهُ: رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قالَ: مَنِ المُتَكَلِّمُ قالَ: أنَا، قالَ: رَأَيْتُ بضْعَةً وثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أوَّلُ!” الراوي : رفاعة بن رافع | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 799 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد البخاري على مسلم.

  • قالوا: هذا الصحابي ابتدع ذكرًا لم يفعله النبي ﷺ من قبل، فصار مقبولًا، فهي “بدعة حسنة”.

الجواب: ما فعله الصحابي أُقِرَّ عليه مباشرة من النبي ﷺ، فصار سنة تقريرية، وليس بدعة. الفرق جوهري: وجود النبي ﷺ بينهم لتصحيح ما يخرج عن المشروع. أما بعد وفاته، فكل ما لم يأت به الشرع لا يجوز إضافته.

المثال الثاني: جمع عمر الناس على التراويح جماعة

قالوا: عمر رضي الله عنه أحدث صلاة التراويح جماعة خلف إمام واحد.

الجواب:

  • النبي ﷺ صلى التراويح جماعة بالفعل، لكنه ترك المداومة خشية أن تُفرض على الأمة.
  • لما زال السبب في زمن عمر، أعاد إحياء السنة، ولم يبتدع عبادة جديدة.
  • وصفه لها بأنها “بدعة” أراد به المعنى اللغوي (أي: شيء جديد لم يكن يُفعل وقت أبي بكر)، لا البدعة الشرعية.

مثال ثالث: جمع القرآن ونقطه وضبطه بالشكل

قالوا: هذا لم يفعله النبي ﷺ، فلماذا لا يكون المولد مثله؟

الجواب:

  • جمع القرآن كتابةً كان من باب حفظ الدين بعد وفاة النبي ﷺ وتوسع رقعة الإسلام، وهو من المصالح المرسلة، لا من باب العبادات.
  • العبادات توقيفية لا مجال للرأي فيها، بخلاف الوسائل لحفظ الدين.

لو كان المولد عبادة مشروعة لفعله النبي ﷺ أو الصحابة، إذ كان المقتضي موجودًا (محبتهم له ﷺ) ولم يكن هناك مانع.

الشبهة التاسعة: القول بأن المولد عادة وليس عبادة

يقول بعضهم: إنَّ الاحْتِفالَ بالمولدِ عادةٌ وليس عِبادةً؛ فلماذا تُنكرون علينا العاداتِ؟ و عادة اجتماعية لإظهار المحبة.

الجواب

  • لو كان عادة بحتة لما اجتمع الناس فيه على تلاوة القرآن والأذكار والقصائد طلبًا للأجر.
  • السائل عن سبب احتفاله سيقول: “لأني أحب النبي ﷺ”، وهذا اعتقاد أنه طاعة وقربة.
  • فإذا كان قربة، فهي إذن عبادة، والعبادة لا يجوز ابتداعها.
  • إن قيل: “هي عادة”، نقول: إذن دعوها ولا تجعلوها قربة، لأن العادات لا يُتقرب بها إلى الله.

فالقول بأنها عادة تهرّب من الحقيقة، إذ هي عندهم طاعة يُرجى ثوابها، وليست مجرد عادة اجتماعية.

الشبهة العاشرة: تشبيه المولد بالمؤتمرات والندوات العلمية

يقولون: إذا كان جائزًا أن يُقام مؤتمر لتكريم عالم وذكر سيرته، فأولى أن نجتمع لذكر سيرة النبي ﷺ.

الجواب

  1. الندوات والمؤتمرات وسائل تعليمية بشرية، ليست شعائر دينية. تُقام متى شاء الناس، وفي أي وقت، بلا ارتباط بزمان محدد.
  2. المولد عند أصحابه يُجعل عيدًا دينيًا متكررًا في يوم مخصوص، وهذا تشريع جديد لا أصل له.
  3. الإمام جمال الدين السرَّمري (ت 776هـ) بيّن أن اختلاف السلف في تاريخ مولده ﷺ دليل على أنهم لم يجعلوا يوم ولادته موسمًا، وإلا لحُفظ وضُبط كما حُفظت أيام العيدين وعاشوراء وعرفة.
  4. أما نشر سيرته ﷺ، وذكر شمائله، وتعليم سنته، فهذا مشروع في كل وقت بلا تقييد بزمان أو هيئة مبتدعة.
  5. ولكنَّ الاجتِماعَ على قِراءةِ القُرآنِ ونَشْرِ مُعجزاتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذِكرِ أخلاقِه وآدابِه، والتعريفِ لحقوقِه، وامتثالِ أوامرِه والوقوفِ لزواجرِه، وتَعليمِ سُنَنِه؛ مُستحَبٌّ في كلِّ وقتٍ، بل واجبٌ) [((المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم)) ورقة (10 ب)- بواسطة: ((منْهجُ الإمَامِ جمالِ الدِّينِ السُّرَّمَرِّيِّ في تقرير العقِيدة)) لخالِد المطلق (72 – 73)].

الشبهة الحادية عشرة: تشبيه المولد بذكر أحداث السيرة في خطب الجمعة

يقول بعضهم: نحن نذكّر الناس بالبعثة في يومها، وبالهجرة في خطبة الجمعة، وبغزوة بدر في 17 رمضان، فلماذا لا نخصص يوم المولد للتذكير بسيرة النبي ﷺ؟

الجواب

  • التذكير بالسيرة وأحداثها مشروع في كل وقت، سواء في خطب الجمعة أو الدروس. ولا ينكر أحد أن يُذكر مولده ﷺ أو وفاته أو هجرته.
  • لكن لم يجعل النبي ﷺ ولا الصحابة تلك الأحداث مواسم دينية متكررة. لم يحتفلوا بالهجرة ولا بغزوة بدر ولا بيوم وفاته ﷺ. وقع في شهر ربيع الأول ثلاثة أحداث كبرى: المولد (على القول به)، الهجرة، الوفاة. ومع ذلك لم يجعلها الصحابة مواسم سنوية.
  • الفرق أن خطبة الجمعة وسيلة وعظية متجددة، لا احتفالًا ولا عيدًا، بينما المولد يُجعل عيدًا سنويًا، وهذا هو محل الخلاف.

الشبهة الثانية عشرة: الزعم بأن أكثر العلماء أجازوا المولد

يقول بعضهم: أكثر العلماء أجازوا المولد، ولم يحرّمه إلا المتشددون من أتباع ابن تيمية.

الجواب

  1. العبرة بالدليل لا بالكثرة: قال الله تعالى: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: 116].
  2. الأئمة المتقدمون: لم يُنقل عن أحد من الأئمة الأربعة أو كبار المفسرين والمحدثين المتقدمين أنهم أجازوا المولد أو عملوا به. فلو كان خيرًا لسبقونا إليه.
  3. علماء غير تيميين حرموه بوضوح:
    • العلَّامة تاجُ الدِّين الفاكهانيُّ، المالكيُّ (734هـ)؛ قال في رسالته ((المورِد في عمَل المولِد)) (ص20): (لا أعلمُ لهذا المولِدِ أصلًا في كِتابٍ ولا سُنَّةٍ، ولا يُنقَلُ عَمَلُه عن أحدٍ مِن عُلماءِ الأُمَّة، الذين هُم القُدوةُ في الدِّين، المتمسِّكونَ بآثارِ المتقدِّمين، بلْ هو بِدعةٌ أحْدَثها البَطَّالون… وهذا لم يأذنْ فيه الشرعُ، ولا فعَلَه الصحابةُ ولا التابِعون، ولا العُلماءُ المتديِّنون، فيما عَلِمتُ، وهذا جوابي عنه بين يَدَيِ اللهِ إنْ عنه سُئلتُ، ولا جائزٌ أن يكونَ مُباحًا؛ لأنَّ الابتِداعَ في الدِّين ليس مُباحًا بإجماعِ المسلِمين).
    • ابنُ الحاجِّ الفاسِي (737ه)؛ قال في ((المدخل)) (2/312): (فإنْ خلا- أي: عمَلُ المولِد- منه- أي: مِن السَّماعِ- وعمِلَ طعامًا فقط، ونوَى به المولِدَ، ودعَا إليه الإخوانَ, وسَلِم مِن كلِّ ما تقدَّمَ ذِكرُه- أي: مِن المفاسِد- فهو بِدعةٌ بنَفْسِ نِيَّتِه فقط؛ إذ إنَّ ذلك زِيادةٌ في الدِّين ليس من عمَلِ السَّلفِ الماضين، واتِّباعُ السَّلفِ أَوْلَى، بل أوْجَبُ، مِن أن يَزيدَ نِيَّةً مُخالِفةً لِما كانوا عليه؛ لأنَّهم أشدُّ الناس اتِّباعًا لسُنَّة رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَعظيمًا له ولسُنَّتِه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولهُم قدَمُ السَّبقِ في المبادَرةِ إلى ذلك، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ منهم أنه نوَى المولِدَ، ونحن لهم تبَعٌ؛ فيَسعُنا ما وَسِعَهم… إلخ). وقال أيضًا: (وبعضُهم- أي: المشتغِلون بعمَلِ المولِد- يتورَّع عن هذا- أي: سماعِ الغِناءِ وتوابعِه- بقِراءةِ البخاريِّ وغيرِه؛ عوضًا عن ذلك، هذا وإنْ كانتْ قراءةُ الحديثِ في نفْسِها من أكبرِ القُرَبِ والعباداتِ، وفيها البركةُ العظيمةُ، والخيرُ الكثيرُ، لكنْ إذا فُعِل ذلك بشَرْطِه اللائِقِ به على الوجهِ الشرعيِّ، لا بنِيَّةِ المولِد، ألَا ترَى أنَّ الصلاةَ مِن أعظمِ القُرَبِ إلى اللهِ تعالى، ومع ذلك فلو فعَلَها إنسانٌ في غيرِ الوقتِ المشروعِ لها، لكان مذمومًا مُخالِفًا؛ فإذا كانتِ الصلاةُ بهذه المثابةِ؛ فما بالُك بغيرِها؟!).
    • العلَّامةُ الأصوليُّ أبو إسحاقَ الشاطبيُّ (790هـ)، وهو من عُلماءِ المالكيَّة أيضًا؛ قال في فتاويه (ص 203): (معلومٌ أنَّ إقامةَ المولدِ على الوصفِ المعهودِ بين الناسِ بِدعةٌ مُحدَثةٌ، وكلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ).

فهؤلاء من أئمة المالكية، لا من تلامذة ابن تيمية، ومع ذلك صرّحوا بتحريمه.

الخاتمة

بعد هذا العرض يتبين أن الجواب عن سؤال: هل يجوز الاحتفال بعيد المولد النبوي؟ هو: لا يجوز، لأنه بدعة محدثة لم يفعلها النبي ﷺ ولا أصحابه ولا التابعون. والدين قد كَمُلَ، ومحبة النبي ﷺ إنما تكون باتباع سنته، ونشر سيرته، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، والعمل بما جاء به. قال النبي ﷺ: «أما بعدُ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ أتتْكم الساعةُ بغتةً ، بُعِثتُ أنا والساعةُ هكذا ، صبحَتْكم الساعةُ ومستْكم ، أنا أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه ، من ترك مالًا فلأهلِه ، ومن ترك دَيْنا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ ، وأنا وليُّ المؤمنين» الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 1353 | خلاصة حكم المحدث : صحيح التخريج : أخرجه النسائي في ((المجتبى)) (3/ 188)، وأحمد (3/ 310) باختلاف يسير.

فلنحرص على لزوم السنة، ولنبتعد عن البدع، فإن الخير كله في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف. نسأل الله أن يهدينا جميعًا للحق، وأن يرزقنا محبة النبي ﷺ الحقيقية باتباعه ظاهرًا وباطنًا، وأن يجنبنا طرق البدع والضلالات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

Scroll to Top